يصادف اليوم ذكرى ميلاد الملك حسين بن طلال (طيب الله ثراه)، وهي ذكرى تأتي في وقتٍ أحوج ما يكون فه بلدنا، والمنطقة، والعالم إلى استحضار إرث الحسين الذي تشكل على مدار نحو نصف قرنٍ في الحرب والسلم، والتحولات العميقة منها والتحديات.
لطالما كان هذا النهج هو الحاضر في مسيرة بلدنا، ولطالما استلهمنا من سيرته طيب الله ثراه، وفي خطابه أمام الأمم المتحدة.. استحضر الملك عبدالله الثاني، بعضاً من سيرة الحسين: كان والدي رجلا قاتل من أجل السلام إلى آخر رمق، بقوله: «قاتل والدي من أجل السلام إلى آخر رمق، ومثله تمامًا رفض أن يترك أبنائي أو أبنائكم مستقبلا ليحكم على الاستسلام."
هذا الإرث الذي نستحضره اليوم باعتزاز، في ذكرى ميلاد الحسين، يحكي بعضاً من سيرة وطن خبّر الصعاب كلها، وواصل دربه مؤمناً بأن هذا الوطن وجد ليبقى، وهو بذل موصول حتى اليوم.
وفي قراءة لمولد الملك الحسين بن طلال، فقد ولد طيب الله ثراه، في لحظة سياسية حاسمة من تاريخ الأردن، حيث عقد الثلاثينات من القرن الماضي، وما زالت مناخات العروبة هي السائدة في بلادنا والمحيط العربي.
ويقول الملك المؤسس في يوم مولده في برقية خطها إلى رئيس الوزراء في 14/11/1935م، «إنه بحمد الله ومنة، قد منحت القدرة الصمدانية ولدنا طلالا مولوداً ذكراً في هذه الليلة المباركة، وهي الليلة الثامنة عشرة من شهر شعبان المبارك في الرابع والخمسين بعد الثلاثمائة والألف من هجرة العزة والشرف، وبما إنه من المقتضى إظهار مزيد من السرور والحبور على نعم الله وآلائه علينا، نعلمكم كي تذيعوه..».
كما بعث ببرقية الى الملك غازي بالعراق، يبشره بولادة الحسين وان تسميته جاءت تيمنا بالشريف الحسين بن علي.
وتروي أيضاً، أولى الوثائق التي خطها الملك الحسين، بيده في عمر الـ 17 عاماً، وهي عبارة عن رسالة كتبها لصحيفة أخبار اليوم المصرية بواكير البدايات، وهي أول تصريح صحفي له حين كان ولياً للعهد، يقول فيها «إني لأكرس حياتي لخدمة مليكي، ووطني، والعالم العربي، وإنني ممتلئ الآمال الكبيرة فى أن أعود إلى الأردن المفدى يوما وأتعاون مع الجميع فى ظل جلالة الوالد، وتحت توجيهه السامي، لإسعاد أبناء الأردن وأبناء العروبة الغالية جمعاء، لأن هذه أمنيتي فى هذه الحياة أن أحيا وأفنى فى سبيل الوطن والعروبة».
إنّ من وثقوا سيرة الملك الحسين، وعلاقته مع الناس والسياسة، يدركون بأن الإرث السياسي للملك الحسين، صاغ وجهاً جديداً للحُكم في زمانه، وكان هذا الوجه ذا ملامح استثنائية، ترجمت ما رفعه الحسين من شعارات، أبرزها: الإنسان أغلى ما نملك.
فعهد الملك الحسين، تميز بأنه عهد متقدم على زمانه، ولم يتأثر بالتحديات بقدر ما حاول التأثير فيها، وتجاوزها، حتى شكل الأردن في عهده أنموذجاً فريداً، في المجالات كافة، وبات يشار بالبنان إلى معجزةٍ في منطقةٍ لا تهدأ.
وما زالت مؤلفات الملك الحسين، تحمل الكثير من المفردات والمواقف التي توثق جانباً من تاريخ بلادنا المعاصر، وهي تعبر عن هوية راسخة للحُكم العربي محورها الإنسان، إذ يقول الملك الحسين في هذا المؤلف: «أن أكون أهلاً لمحبة وثقة أبناء الوطن والأمة، وأن أستمر وأبني فوق ما بُني، ولا استسلام لليأس للحظةٍ في حياتي».
لقد واصل الملك الحسين على مدار أيام حياته السعي في سبيل بناء الأردن، مؤمناً بارث ملوك بني هاشم، وبقي متاثراً، بسيرة جده الملك المؤسس عبدالله الأول ابن الحسين، إذ يقول «لقد دُفن جدّي الأكبر في القدس، ومات جدّي على مرأى مني في القدس، وإنني أنتسب إلى الجيل الرابع من أولئك الذين ناضلوا في سبيل الحرية والاسترداد الكامل لترابنا الوطني، وسأواصل النضال لهذه الغاية حتى آخر قطرة في دمي».
إنّ هذه الرسالة الموصولة، وهذا الإرث الغني للملك الحسين بن طلال، ما زال حياً وحاضراً في رسالة الأردن وسعي جلالة الملك عبدالله الثاني، لبناء الإنسان الأردني، والموقف الأردني الراسخ تجاه قضايا أمتنا المحورية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
في هذه الأيام، نستذكر الحسين بن طلال طيب الله ثراه، مؤمنين بأنّ رسالة ملوك بني هاشم ستبقى حاضرةً وموصولة..ونرى في مسيرة هذا البلد فصولا كتبت بوفاء بين ملوك بني هاشم والأردنيين.