يسألني مواطن التقيته صدفة في أحد المطاعم، وتعرّف عليّ، وهو متابع جيد للإعلام: هل سينجح الرئيس؟ هل سيسمحون له بذلك؟ هل تعتقد أنّه بالفعل يحمل مشروعاً أم مجرد كلام جميل يداعب أحلام المواطنين وخيالاتهم؟ هل فعلاً سيتغيّر حالنا أو على الأقل يتحسّن أم أنّ الإصلاح أصبح أشبه بمهمة توم كروز في سلسلة أفلام (Mission Impossible)؟
تتناقش شخصيات سياسية ومثقفة على درجة عالية من الاطلاع والخبرة السياسية، ويطرحون خلال ذلك بعض الأسئلة: هل يمتلك الرئيس القدرة على الوصول إلى جذور "فضيحة الدخان"؟ هل فعلاً يملك السلاح المطلوب لمواجهة الفساد؟ هل مؤسسات الدولة المختلفة معه أم ضده؟ وهل سيترك ليقود البلاد بعد احتجاجات الدوار الرابع بالاتجاه الصحيح أم أنّ يديه مقيّدتان؟
أحد السياسيين الأكثر تبحّراً في دهاليز السياسة المحلية ولديه معرفة في بواطن الأمور، يطرح سؤالاً أكثر عمقاً: هل يملك الرزاز مشروعاً سياسياً أم أنّه فقط يقتصر على الجانب الاقتصادي؟ هل هو يشابه (س) من رؤساء الوزراء السابقين، من كانوا يعرفون بقوة الشخصية وإصرارهم على الولاية العامة، ويملكون الذكاء في التعامل مع مؤسسات الدولة والقوى السياسية المختلفة أم أنّه يشبه (ص) من رؤساء الوزراء السابقين، من كانوا على درجة كبيرة من ضعف الشخصية القيادية؟
والمشكلة أنّ المسافة بين (س) و(ص) اللذين تحتار النخب في تصنيف الرئيس بينهما هي مسافة فلكية، فكيف يمكن أن يكون هذا التقييم للرئيس ضبابياً وحائراً لهذه الدرجة؟!
وهكذا متواليات من الأسئلة والتساؤلات التي قد لا تنتهي تجدها على ألسنة المواطنين والنخب على السواء، تعكس حالة من "عدم اليقين" تجاه الأوضاع الراهنة، بما يتجاوز حكومة الرزاز ويسبقها.
هذه التقلبات ليست جديدة على السياسات الأردنية، وربما في جزء كبير منها ترتبط بالعلاقة المتداخلة بقوة بين سياستنا الخارجية والداخلية، نظراً لموقعنا الجيو استراتيجي، ومرتبطة -أي التقلبات- أيضاً بالتحولات والتطورات في المشهد الداخلي والظروف السياسية والاقتصادية.
كل ذلك مفهوم، لكن حالة "عدم اليقين"، وهي حالة -كما تدركون تماماً- سلبية للغاية ولها آثار كارثية، أصبحت خلال الأعوام الماضية أكثر تجذّراً، بل أصبحت كأنّها هي الوضع الطبيعي، بينما وجود تصوّر ناضج واضح للسياسات بعيدة المدى هو الحالة الاستثنائية، والشعور العارم لدى النخب والمواطنين هو أننا نفتقر لرؤية المسافات المتوسطة والبعيدة!
كان من المؤمّل أن تكون احتجاجات الدوار الرابع، بما حملته من مؤشرات وإشارات ورسائل على حجم التغيرات والتحولات الاجتماعية، بمثابة "نقطة تحوّل"، وأن يكون مجيء رئيس وزراء بمواصفات الرزاز وأخلاقه وسمعته رسالة واضحة ببداية التغيير المنشود.
لكن -على ما يبدو- أنّ حالة "عدم اليقين" و"الشك" السائدة قبل الحكومة الحالية هي التي خلقت التساؤلات السابقة في مدى إمكانية نجاح الرئيس والحكومة في تغيير الواقع.
أخطر ما في هذه الحالة هي تلك الروح المزاجية السلبية المسكونة بالإحباط وخيبة الأمل والتشاؤم من عدم إمكانية إيجاد طريق جديد للمستقبل ومواجهة الطبقات المتراكمة من المشكلات التي نتجت عن اختلافات واضحة في السياسات العامة خلال الأعوام الماضية.
الغد