مدار الساعة - كتبت: دعاء الزيود - تواصل المملكة الأردنية الهاشمية لعب دورها المحوري في الساحة الإقليمية والدولية، ويأتي ذلك بوضوح من خلال مشاركة جلالة الملك عبدالله الثاني في قمة دول جنوب أوروبا "ميد 9" التي انعقدت في مدينة بافوس القبرصية. كانت هذه المشاركة بمثابة منصة مهمة لاستعراض الموقف الأردني من الأزمة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة، إذ كانت رسالة جلالته للعالم تعبيراً عن دبلوماسية عميقة تستند إلى ثوابت سياسية وإنسانية متجذرة.
تتسم الدبلوماسية الأردنية بالتوازن والحكمة، خاصة في ظل التحديات الجيوسياسية المستمرة التي تواجه الإقليم. ويمثل موقف جلالة الملك في هذه القمة تأكيداً على الرؤية الاستراتيجية للمملكة التي تنظر إلى القضايا الإنسانية، ليس بمعزل عن السياقات السياسية، بل كجزء لا يتجزأ من الحلول الشاملة التي يجب أن تستند إلى القانون الدولي الإنساني وقرارات الأمم المتحدة.
في حديث جلالة الملك أمام القمة، شدد على أهمية تنسيق استجابة دولية فورية ومنسقة تجاه الكارثة الإنسانية في قطاع غزة. هذا النداء ليس مجرد دعوة تقليدية لزيادة المساعدات الإنسانية، بل هو دعوة إلى المجتمع الدولي لتفعيل آليات استجابة جماعية وفعالة تعكس المسؤولية المشتركة تجاه المدنيين الأبرياء الذين يدفعون ثمن الصراعات السياسية.
لقد كانت رسالة جلالته واضحة: لا يمكن أن تُحل الكوارث الإنسانية في غزة دون معالجة جذور المشكلة السياسية. فمضاعفة المساعدات الطبية والإغاثية ضرورة حتمية، لكن هذه الإجراءات تظل غير كافية ما لم تكن جزءاً من إطار سياسي أوسع يسعى إلى إنهاء الاحتلال وتحقيق العدالة والكرامة للشعب الفلسطيني.
الأزمة في غزة ليست مجرد أزمة إنسانية، بل هي نتيجة تراكمات سياسية معقدة ترتبط بعدم تحقيق تسوية سياسية عادلة للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. ويدرك الأردن، بقيادة جلالة الملك، أن المعاناة الإنسانية في القطاع تعكس فشلاً مستمراً للمجتمع الدولي في تحقيق حل الدولتين الذي يُعتبر السبيل الوحيد لتحقيق سلام عادل ودائم في المنطقة.
هذا الفهم العميق للأبعاد السياسية والإنسانية للأزمة يعكس نضوج الموقف الأردني. فالأردن يدعو إلى مقاربة شاملة تُراعي حقوق الإنسان وتستند إلى القانون الدولي، وفي الوقت ذاته تحث على تعزيز دور الأمم المتحدة في ضمان وصول المساعدات إلى جميع مناطق القطاع، دون عراقيل أو قيود.
تميزت الدبلوماسية الأردنية على مر العقود بالقدرة على الموازنة بين الدفاع عن المبادئ الثابتة في السياسة الخارجية وبين حماية المصالح الوطنية. وفي هذا السياق، يتجلى موقف الأردن تجاه غزة كجزء من استراتيجيته الأوسع في الإقليم، والتي تهدف إلى تعزيز الاستقرار والحفاظ على الأمن القومي العربي.
جلالة الملك أكد في العديد من المحافل الدولية أن الأردن، بحكم موقعه الجغرافي والتزامه الثابت تجاه القضية الفلسطينية، يتحمل مسؤولية مضاعفة في الدفع باتجاه تسويات سياسية شاملة تُنهي الصراع في المنطقة. ولهذا السبب، تظل المملكة شريكاً أساسياً في أي مبادرات دولية تسعى لحل الصراعات أو تقديم المساعدات الإنسانية.
تتضح الرؤية الأردنية من خلال تصريحات جلالة الملك التي تنطلق من إدراك أن الاستقرار الإقليمي لن يتحقق دون معالجة القضايا الرئيسية في الشرق الأوسط، وأبرزها القضية الفلسطينية. وقد بات جلياً أن الأزمات الإنسانية المتكررة، سواء في غزة أو غيرها، لا يمكن فصلها عن المسار السياسي العام.
في قمة "ميد 9"، أعاد جلالة الملك التأكيد على أن الحلول السياسية هي المفتاح لإنهاء هذه الأزمات. الأردن، بفضل موقعه ودوره الإقليمي، قادر على لعب دور الوسيط الفاعل الذي يجمع بين الأطراف الدولية ويسعى لإيجاد آلية تنسيقية تُضمن فيها حقوق المدنيين وتحقيق العدالة.
ختاماً، تؤكد مشاركة جلالة الملك عبدالله الثاني في قمة "ميد 9" مجدداً على ثقل الأردن الدبلوماسي في المنطقة، وقدرته على توجيه بوصلة السياسة الدولية نحو استجابة إنسانية وسياسية شاملة. إن دعوة جلالته لتنسيق استجابة دولية فعالة للأزمة في غزة تعكس ليس فقط التزام الأردن تجاه حقوق الشعب الفلسطيني، بل أيضاً رؤيته الأوسع لتحقيق استقرار مستدام في المنطقة.
بهذا الفهم العميق والتوجه الدبلوماسي المحنك، يظل الأردن، بقيادة جلالة الملك، صوتاً رائداً للدفاع عن العدالة والإنسانية في عالم تتزايد فيه التحديات والأزمات.