مر عام على السابع من أكتوبر، وما بعد هذا التاريخ ليس كما قبله، حيث عشنا كشعوب ودول في جوار فلسطين مأساة العصر ورأينا أبشع وجوه إسرائيل وما جرته معها من تعابير الغرب الخشنة، وغياب الضمير والرادع القيمي، هذا على الصعيد الإنساني.
ولكن، هناك تأثيرات ما تزال حاضرة في شكل المنطقة، وتغيير عميق في شكله ومضمونه، فإسرائيل اليوم تريد هدم كل ما يحيط بها من جدران، وتحسب أنها تسجل انتصارات في معركة وهمية، فلا يمكن أن تبقى في حالة حرب مع كل هذا المحيط، حتى وإن اختلفت رؤاه السياسية ومقارباته تجاه حل قضية فلسطين، ومن يحكمون إسرائيل اليوم، لم يدركوا بعد رغم كل هذا التاريخ من الصراع.
المفارقة.. أن حرب غزة ولدت أخرى في لبنان، ومسألة العام الذي مضى بكل محاولات لجم هذه الآلة العسكرية لم تصل إلى نتيجة، وأن كل الأصوات لم تصل إلى مسامع مراكز القرار التي رسمت الخطوط وهي اليوم تمحوها بمزيد من الدعم لرؤية نتنياهو التي تريد تجريد المنطقة من شعوبها، وتراهن على أوهام غير موجودة إلا بهذه بعقلية اليمين الإسرائيلي.
وعلى الجانب الآخر، عربيا.. نلحظ أن مراجعات تجري للسابع من أكتوبر وما تحقق بعد هذا التاريخ من حصيلة مآس يعمق من ألمها غياب رؤية واضحة لتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، خاصة بغياب الشريك والإرادة الدولية.
رسميا، هناك جهود عربية يراها كثيرون بأنها غير كافية، ولكن علينا الاعتراف بعجز اللحظة الدولية التي تنتظر نتائج الانتخابات الأميركية وتنتظر مآلات الحرب في أوكرانيا.. وهي رهينة أيضا لمواقف قوى الإقليم حيث اصطفافات ايران المترددة بين مصالحها الخاصة وشعاراتها التعبوية.
ولكن، ماذا بعد عام على السابع من أكتوبر هل نستمر في عد الشهداء ومراقبة شريط العواجل وبيانات التهجير وأرقام المأساة.. وهناك أسئلة أكثر جرأة بحاجة إلى نقاش هادئ أهمها ماذا تحقق وماذا كشفت هذه الحرب وتداعياتها؟!.
ولربما يقول أحدهم أن المسألة متروكة للتاريخ، ولكن في كل مرة نكشتف البديهية ذاتها هي أن كل التاريخ معاصر وأن ما نتجاوز في خياراتنا يفاجئنا به المستقبل .. فنحن اليوم بحاجة إلى تحديد مواقفنا وسبل حركتنا وكيفية تحقيق ما نصبو إليه من عدالة لفلسطين ولبنان، وبحاجة إلى أن نقنع الآخرين من أبناء جلدتنا أن قضايانا ليست في بازار سياسي يدفع ثمنه أطفال ونساء ومأساة سببها علة إسرائيل التي أرهقت أجيالا، وأتعبت ودمرت.