عنصرية الرئيس الاميركي دونالد ترامب، مفيدة جدا، لانها تفتح ملف التمييز والعنصرية، على اوسع قطاع في هذا العالم، وهي عنصرية لا يتفرد بها ترامب، بل موجودة عند العرب ايضا وبقوة.
حياة العرب قائمة اساسا على التمييز والعنصرية والتصنيف، وما زلنا نسمع حتى اليوم، عن عائلة سودانية مثلا، فيتم الانتقاص منها، مثلا، بوصفها بالحلبية، نسبة الى حلب، وقد نسمع عن عائلة في حلب، فيقال ان اصلها ارمني، او غير عربي، ونسمع عن عائلة في شمال تونس، تتعالى على عائلة في جنوب تونس، وقد نسمع عن فلاح عراقي، يمس اصل وجذر بدوي عراقي، وقد نسمع عن عائلة من غزة، فيقال هذه اصلها مصري، من باب الغمز من قناتها.
هذه التصنيفات، لاتعبر عن التصنيف وحسب، بل هي عناوين يتم رفعها في وجه اي طرف، يريد مالا او نفوذا، او قد يحصل على موقع ما، على الصعيد السياسي، والغمز من قناة العائلات والافراد، على اساس العرق او الاصل او الدين او لون البشرة، سلوك يومي.
أليس هذا تمييز من نوع غريب، يتنافى اصلا، مع جذر الاسلام، الذي لايسمح بالتمييز، هذا فوق اننا نتعالى على الامم، في الاغلب، ونظنها اقل منا، فالصيني كافر، ولا يجيد النظافة، والالماني بنظرنا مغرور ومتكبر، والافريقي يتم وصفه بأوصاف لها بداية وليس لها نهاية، والاندونيسي مجرد خادم في بيوتنا، والهنود في آخر سلم الامم، وهكذا، نوزع الالقاب يمينا وشمالا، على الرغم انها حافلة بالتمييز والتصنيف والعنصرية، وغير دقيقة اساسا في التقييمات.
الامر ذاته يمتد الى فكرة الزواج في العالم العربي، والحكايات القديمة يعرفها الجميع، وبعضها لا يزال فاعلا، فالبدوي لا يتزوج من فلاحة، والمدنية لا تريد فلاحا، والفلاح لا يريد بدوية ، والتنابز بالالقاب والتصنيفات، وايهما احسن من الاخر، موجود حتى داخل المنطقة الواحدة، وهناك شعوب عربية مقسمة داخليا الى تقسيمات اجتماعية تعبر عن تمييز وعنصرية وطبقية اجتماعية، ولا تعبر ابدا عن روح بلد واحدة، فقد تسمع عن بلد، لا يزوج فيه الاخر، لان هذا الزوج من منطقة محددة، والزوجة قد يكون اصلها من خارج القارة، او من لون بشرة محددة، وقولوا لي بالله عليكم، اين كل هذا من العناوين التي نرفعها، لكننا نطبق عكسها تماما؟!.
حتى موجات عداء الرئيس الاميركي ضد اللاجئين وضد دول محددة، موجودة عند العرب، برغم انهم ابناء عرق ودين وثقافة واحدة، فالعراقي الذي ذهب الى سوريا، ذات زمن، هو ذات العراقي، الذي لا يريد ان يستقبل السوريين، ويريد لهم انه يموتوا، تحت القصف، واللبناني الذي كان يعيش في سوريا، يتذمر اليوم بشدة من السوريين ولا يريد ان يراهم، والمصري الذي عاش في ليبيا لعقود، يشعر بغضب من تدفق الليبيين الى بلاده، والليبي ذاته الذي يشعر بضيق من تحسس المصريين تجاهه، هو ذاته الذي يريد اغلاق بلاده في وجه التوانسة.
الامر ذاته يمتد الى اشكال التمييز على اساس ديني، ومذهبي، والكل يعرف ان التمييزات في اعلى مستوياتها، وعندما يقال لك فلان مسيحي لكنه طيب، فإن الجملة تحمل اعلى درجات العنصرية، وكأنه يقال ان المسيحيين غير طيبين وهذا الرجل استثناء، وتسمع ان فلانا جذره من سوريا، لكنه انسان مختلف، والاتهام هنا للكل، وان هذا استثناء، وذاك فلسطيني او اردني او مغربي او يمني، لكنه طيب، والاتهام للكل، عبر تمجيد الاستثناء المشار اليه، فهي عنصرية من نوع خفي، ومديح في معرض الذم.
اذا كان ذات العرب والمسلمين، يمارسون التمييز والعنصرية ضد بعضهم البعض، فماذا سيقال اذًا عما يفعله الرئيس الاميركي، وكل هذه التمييزات الصغيرة التي نراها في حياتنا في العالم العربي، يتناساها كثيرون، امام عنصرية ترامب الموجهة الى العرب والمسلمين، لاسباب عرقية ودينية، وبدلا من هذا التعامي علينا التنبه حقا الى البنية الاجتماعية ومافيها من تمييزات منحطة، بما تعنيه الكلمة، قبل ان نوجه لومنا الى الادارة الاميركية والاوروبيين وغيرهم من شعوب.
ربما التمييز او العنصرية او التصنيف، سمة بشرية تمارسها كل شعوب العالم، لكن علينا ان نعترف انها في العالم العربي، اعلى درجة، وفي الغرب المتهم عندنا، كانت الاقل درجة، ولم تتفجر لولا مواجهات كثيرة وسوء فهم تاريخي يتعمق اليوم، لاعتبارات مختلفة، وهنا يتبدى دورنا في السؤال عن سبب صحوة العنصرية في الغرب.