استطاعت القيادة الأردنية الاستمرار في عملية التحديث السياسي وإجراء الانتخابات البرلمانية للمجلس العشرين، رغم حالة عدم الاستقرار السياسي في المنطقة واستمرار الحرب على قطاع غزة والظروف غير الطبيعية في الضفة الغربية، ويعني ذلك توافر الإرادة السياسية لدى الملك في السير قدماً في عمليات التحديث السياسي والانتقال بالدولة لتكون ديمقراطية مُحدثة، ويعني ذلك فصل الشأن الداخلي عن اي شأن خارجي..
غير أن ظلال الاوضاع الخارجية وما يجري في فلسطين وخصوصاً القطاع كان له الأثر على نتائج الانتخاب، وتمثل ذلك بفوز جبهة العمل الإسلامي (الاخوان المسلمين) بـ 31 مقعداً عن القائة الوطنية: 18 مقعداً عن القائمة الوطنية و13 مقعداً عن الدوائر المحلية.
وفي الوقت نفسه؛ فشلت الاحزاب الوسطية المعتدلة في القائمة الوطنية في الحصول على نجاحات في هذا المستوى، ووراء ذلك العديد من الاسباب فعلى سبيل المثال لا الحصر، يعتبر حزب جبهه العمل الاسلامي الوجه السياسي للاخوان كحزب سياسي متجذر منذ العام 1947 وله ايديولوجية كعقيدة دينية، وخطاب سياسي وبرنامج عمل معلن وواضح وله قواعده الواسعة خصوصا في المناطق الحضرية، فدرجة التنظيم مرتفعة والالتزام الحزبي متوافر، والتواصل بين وحدات الحزب قوية، ناهيك عن ايمانة بالمقاومة لأن الشعار الذي طرح (المقاومة لا المساومة) من هنا أثرت احداث غزة وحالة التعاطف على مجريات التصويت لصالح الحركة.
ويظهر سبب آخر هو حالة الشك وانعدام الثقة للحكومات المتعاقبة والشارع؛ اذ فشلت العديد من الحكومات بوضع برامج عملية تدفع بعجلة الاقتصاد الوطني الى الأمام، وعدم قدرتها على تحقيق نمو اقتصادي ملموس ينعكس على تحسين المستوى المعيشي ومواجهة التحديات والصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المواطن، كل هذا وغيره جعل حركة الاخوان ان تحصد ٣٣٪ من الاصوات و31 من مقاعد المجلس، وفي المقابل الاحزاب الوسطية المعتدلة فشلت في اقناع المواطن للتصويت لصالحها، وذلك يعود لغياب الايديولوجيا السياسية المقنعة، والخطاب السياسي الغامض تجاه الاحداث، وعدم وجود برامج حقيقة بعيداً من الشعارات، وبروز الاتجاهات الشخصية التي قادت المرحلة، ناهيك عن ضعف التنظيمات وغياب الرابط بين وحدات الحزب، والتفرد في كثير من القرارات ويمكن القول ان عمرها القصير كان سبباً واضحاً لتراجع انجازاتها، كل ذلك وغيره أدى الى من تدني مستويات قبولها من الشارع، فالحزبان الرئيسان الميثاق وارادة حصلا على ١٦٥ الف صوت مقابل ٥٠٠ الف صوت للحركة الاسلامية. وهناك ١٥ قائمة وطنية حزبية لم تجتز العتبة وهي 5ر2%، وعليه فان الواقع يدفعنا الى القول بضرورة اعادة النظر في واقع هذه الاحزاب من حيث الايديولوجيا، التنظيم، ودرجه المؤسسية ونوعية القيادات القائمة عليها.
إن ازدياد مستويات الوعي السياسي وتنامي منظومة وسائل التواصل الاجتماعي، وتطور الاعلام بكل اشكاله، وعدم قدرة الحكومات المتعاقية على حل التحديات الاقتصادية والمشكلات التي يعيشها المواطن سيزيد من مستويات المعارضة المنظمة وغير المنظمة، وما يقال في الشارع الأردني اليوم ما هو إلا دليل واضح على ما نذهب إليه، فالتحديث السياسي اذا لم يترافق مع تحسن في المستوى المعيشي ونمو اقتصادي حقيقي ومعالجة التحديات من المديونية، والبطالة، والفقر وغيرها سيقود إلى ثمن والثمن هو ازدياد قوى المعارضة وتناقص في شرعية الحكومات، وعليه فإن توسيع قاعدة المشاركة السياسية بقانون جديد على مستويين وطني ومحلي سيقود الجماعات الأكثر تنظيماً والأكثر التزاماً إلى أن تحصد الأصوات وهذا جزء مما حصل في الحالة الأردنية.
لا اعتقد أن حركة الإخوان في الأردن ستقوم بالمعارضة من أجل المعارضة او المناكفة مع الحكومة لانني افترض عقلانية الحركة في طرح اتجاهاتها والتعاون في تسيير العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وألا تكون ذات دور معطل، واذا قارنا بين البرلمان الحادي عشر من حيث وجود معارضة اسلامية وغياب المعارضة اليسارية والقومية التي كانت متوافرة في البرلمان الحادي عشر وبالمقارنة مع واقع الحكومات الاربع من عام ١٩٨٩ ولغاية 1993 فأول حكومتين سعتا لاحتواء الحركة الاسلامية ومنذ مشاركتها في الحكومة باربعة مقاعد، اما الحكومة الثالثة فوصلت للتصادم مع الحركة والرابعة سعت الى الاحتواء والعمل بمعادلة الأخذ والعطاء، وعلية كيف سيكون شكل الحكومة القادمة؟ وما هي آليات تعاملها مع الواقع البرلماني الجديد؟ وما هي السياسات التي سيتم التعامل بها؟ وباعتقادنا فإن الحالة تتطلب وجود حكومة سياسية احترافية ذات خبرة في شخوصها قادرة على التعامل مع المستجدات بما يحقق المصالح الوطنية العليا وتحمي حالة الاستقرار والاستمرار بالتحديث.