لقد أثبتت العملية الإرهابية الأخيرة في مدينة السلط قدرة الأردن مُـمثَّلاً بالحكومة والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية والدفاع المدني على التعامل مع كل الأحداث الطارئة التي تلمُّ بالوطن، بل إنَّ الأحداث في الواقعة الأخيرة أثبتت لأول مرة قدرة الحكومة على التعامل مع أحداث أمنية وعسكرية بطريقة إعلامية وسياسية احترافية جـنَّـبت المجتمع إلى حد كبير التشويش الحاصل بفعل الانتشار الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي وأخبار الشبكة العنكبوتية، التي تصل كل البشر في كل الأماكن.
وقد استطاع الوطن الغالي بعزيمة أبنائه وقيادته الهاشمية وبفعل عوامل الاستقرار السياسي والأمني التي رافقت المسيرة إنجاز خطوات كبيرة ومتميزة في التقدم والتطور، وبخاصة على صعيد البنية التحتية والمُـنجَـزات التي تشهد الآن ثورة حقيقية وشاملة بفضل الجهود الجـبَّارة لصاحب الجلالة الملك المُـفـدَّى في الإصلاح الشامل بجميع أركانه، وهذا تعبير حقيقي عن روح التسامح والانفتاح والبُعد عن التطرُّف والتعـصُّب، التي غابت عن كثير من الدول وحوَّلت ربيعها إلى صيف حار وملاحم دموية.
إنَّ المملكة ما كانت لتحقق هذه الإنجازات لولا الجهود الملكية السامية التي وفرت كل عوامل النجاح عبر خارطة طريق وضعت جميع مؤسسات الدولة الأردنية أمام مسؤولياتها؛ لمواجهة التحديات بشكل جامع تشاركي متسامح أسَّـس لمرحلة جديدة تتميز بالإنجاز؛ للعمل من أجـل تعزيز الشفافية والمساءلة، وإحقاق الحق والعدالة بعيدًا عن المُغالاة، رغم الظروف الصعبة التي نعيشها حالـيًّا جرَّاء الأزمة الاقتصادية والمالية، وتراجع الاقتصاد العالمي، وانكماش أسواق التصدير، والظروف الاستثنائية التي تعيشها بعض دول الجوار، والتي تغلغل فيها التطرُّف والإرهاب بعُـمق وأوردها موارد الموت والدمار، ثم حاول أن يتسلَّلَ بِـمَـكرٍ وخُـبْثٍ نحو أرضنا الطاهرة، إلا أنَّ الأردن واصل تحقيق إنجازاته بفضل القيادة الحكيمة لجلالة الملك عبد الله الثاني وتوجيهاته السامية؛ بالنظر إلى الجانب الحقيقي لديننا الحنيف الذي اعتمد العدالة والرحمة والتسامح، فاتَّـضح الاثر الطيب لتلك التعاليم السَّـمْحة وتوجيهات القيادة الهاشمية الفـذَّة في وعيٍ عميقٍ وإدراكٍ قويمٍ لدى أبناء الشعب الأردني؛ بكيفية الحفاظ على الدولة الأردنية تحت غطاء الأجهزة الأمنية والجيش العربي المصطفوي.
إنَّـنا ونحن نذكر ذلك، لا يمكن أن نتجاوز حالة عدم الثقة في المستقبل عند البعض، أو الاستعجال عند البعض، ولا يمكن إغفال ظاهرتَيْ الفقر والبطالة التي ازدادت مع حالة اللجوء الإنساني في المنطقة، وضعف المساندة الدولية، وتضخم عبء الدين الخارجي والداخلي، ممَّا يُعيق تحقيق تنمية أكبر، ولا يمكن أن نتجاوز قصور المناهج والكتب المدرسية عن حماية النَّـشْءِ من خطورة ثقافة التطرف والإرهاب والتعصُّب ورفض الآخر، كما أنَّـنا يجب ألا نَغُـضَّ الطَّرف عن فقدان العدالة في كثير من الأمور، وعدم اكتمال ملامح الدولة المدنية المعتمدة على أُسس القانون والمؤسسية، ولكن يحدونا الأمل والتفاؤل والثقة والعزيمة باستمرار النهضة الشاملة؛ ليظلَّ الأردن في المكانة الدولية المرموقة التي منحـته المصداقية والاحترام بين دول العالم، في ظل مجموعة كبيرة من المُنجَـزات التي تحققت ولم تزل تتحقق بالإيعاز بتطوير تشريعات القضاء والقانون، والحـثِّ على تطوير النموذج التربوي وتشريعات تشجيع الاستثمار والرؤية الأردنية 2020/ 2025؛ لتطوير الدولة، وتحقيق التنمية، وإعادة النظر بالتشريعات الناظمة للحياة السياسية، صعودًا نحو نظام سياسي ديمقراطي جديد يتطور كالكائن الحي مع كل مرحلة وصولاً إلى النموذج المثالي، وضمانتنا في ذلك القيادة الحكيمة لجلالة الملك عبد الله الثاني - حفظه الله وأَعَـزَّ ملكه-، الذي أثرى الساحة الثقافية والسياسية والاقتصادية والتربوية؛ بأوراق نقاشية سبعة رسمت معالم المستقبل وحددت الإطار العام للتغيير المنشود في كل المجالات.
إنَّ مسؤولية المجتمع الدولي تجاه أزمات المنطقة كانت قاصرة، ابتداءً من العجز عن حل القضية الفلسطينية العالقة منذ عقود، وليس انتهاءً بمساعدة الشعوب الفقيرة – كالأردن- في حل ظواهر الفقر والبطالة والأمية والجهل، وهي قضايا تسبَّب بها الاستعمار - قديمه وجديده- ووقف عاجزًا أو رافضًا لحلها، وأخيرًا التخلُّف عن تقديم الالتزامات في حل مشكلة اللجوء الإنساني لأبناء الشعب السوري، الذين بلغت أعدادهم الملايين ويشكلون في الأردن أكثر من(20%) من السكان، وإنَّ ما سبق يؤكد العجز والتلكؤ في حل مشكلة الإرهاب والتطرُّف، فمَنْ يعلن عن رفضه للإرهاب وتنظيماته عليه أن يقدم المساعدات وأن يأخذ بالأسباب لحل القضايا العالقة، وأهمها القضية الفلسطينية؛ إذ هي سبب للصراع ومُـسَـوِّغٌ للإرهاب عند تلك التنظيمات المارقة، علمًا بأنَّه لا مجال للدفاع عن تنظيمات امتهنت القتل والخراب، ولا مجال للحديث عن أي عناوين أخرى غير الانحراف الفكري والعقائدي عند هؤلاء الخوارج الذين أعماهم جهلهم وحقدهم، ولكنَّ هذا لا ينفي عجز المجتمع الدولي وتخلُّـفه عن دعم الأردن في مواجهة كل تبعات ما يحدث في المنطقة.
المطلوب الآن.. أن نتجاوز جميعًا في المنطقة حالة الانكفاء على الذات؛ بتأطير آليات عـملـنا، والانتقال إلى معالجة الأزمات عبر استراتيجيات شاملة وتخطيط بعيد المدى، والتأسيس لمرحلة سياسية جديدة تكون عابرة للحكومات، مع الاحتفاظ بالاحترام والتقدير لمبادئ وأفكار جميع مكونات الحياة السياسية الأردنية، والإيمان بالتشارك في الحياة على حلاوتها ومرارتها بين جميع المكونات الديمغرافية في الوطن، وإقامة علاقة متوازنة ومستدامة مع الجميع، وتأكيد الوحدة الوطنية واحترام الأديان، وعدم إثارة النعرات العنصرية أو الطائفية، والالتزام بالموضوعية والدقة في كل ما يتصل بالحياة العامة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، إضافةً إلى تعزيز الانتماء للوطن والقيادة بغض النظر عن الاختلاف والتباين في الانتماءات السياسية والأيديولوجية، وبما ينعكس إيجابـيًّا على مسيرة الديمقراطية ترسيخًا لقواعدها وتأسيـسًا لممارستها، وإنَّ الفكر المتطرف هو الخروج عن القاعدة التي يتفق عليها المجتمع، ألا وهي القاعدة الصحيحة التي تحقق الأمن والسلم الاجتماعـيَّـيْن، والابتعاد عن الغلو والتعصب الأعمى، والانفتاح الواعي المدروس على الآخر، وإشاعة قيم العدالة وأساليب الحوار عبر منظومة ديمقراطية تنسجم وقيم الحرية؛ لمكافحة هذا الداء واستئصاله من جذوره.