يقود الملك عبدالله الثاني عمليات تحديث سياسي، بإرادة قوية وعالية المستوى وعزم لا يلين، فالتحديث يعني الانتقال بالدولة والمجتمع من حالة تقليدية الى اخرى محدثة تنطوي على دمقرطة المجتمع، وتوسيع قاعدة المشاركة وانطاق قيادات وطنية محدثة تؤمن باهمية السير بالاجراءات الديمقراطية لمواكبة المتغيرات المتسارعة التي تحدث في بنيان الدولة، وتطوير البنى والهياكل والمؤسات للقيام بالوظائف المُناطة بها دستوريا، من أجل اداء متميز ومرموق يحقق قباساً من العدالة الاجتماعية والتحديث يهدف الى خلق الشرعية السياسية والقبول والرضاء العام والنفسي عن اداء المؤسسات الدستورية، أن انطاق قيادات وطنية جديدة هو ديدن عملية الانتخاب، فالمواطن يدلي بصوته من اجل اختيار ممثليه في السلطات ومنها السلطة التشريعية التي تقوم بعملية سن التشريعات، والرقابة السياسية على اداء السلطة التنفيذية، ناهيك عن ممارسة المواطن حقه الدستوري كحق سياسي في ممارسة شؤون السيادة بالتصويت لمن يعتقد انه يمثل طموحه السياسي ويلبي احتياجاته الاقتصادية والاجتماعية والنهوض بمسيرة الدولة في المجالات كافة، ومن هنا على المواطن ان يتأكد لمن يصوت! واي برنامج يختار، وفي ظل قانون الانتخاب الجديد فهناك صوتان صوت للدائرة المحلية، واخر للدائرة العامة على مستوى الوطن اعطيت الاحزاب السياسية فيها نسبة ٣٠٪ من مقاعد مجلس النواب وهذا تطور جديد يعطي الأحزاب كتنظيمات سياسية فرصة لاثبات الوجود في السلطة التشريعية من اجل البدء بتشكيل حكومات برلمانية ولو بصورة جزئية لكنها تشكل خطوة في الاتجاه الصحيح نحو التحول الكلي نحو الحكومات البرلمانية مُستقبلاً.
إن المطلوب من هذه العملية اليوم هو زيادة حدة التماسك الاجتماعي ورفع مستوى اللُحمة الوطنية من خلال تنافس شريف يقوم على الاخلاق الديمقراطية وليس صراعية تؤدي إلى تمزيق البنى الاجتماعية ودب الخلاف بين المكون الاجتماعي الواحد، اننا نريد تنافساً مشروعاً يقوم على الاحترام المُتبادل بين المرشحين ومؤيديهم حفاظاً على درجه عاليه من التماسك الاجتماعي الذي يعزز السلم المجتمعي.
وعليه لا بد من النظر في بناء ثقافة سياسية مشاركة لا خاضعة او تابعة وهذا يتطلب اعادة النظر في منظومة القيم الاجتماعية السائدة لتكون قيم معززة لعملية التحديث السياسي وفي طياتها دمقرطة المجتمع، انطلاقاً من قيمة الانتماء للدولة بعيداً عن الانتماءات الفرعية او الضيقة لأن الانتماء للدولة يعزز أمران أولهما: التماسك الاجتماعي والثاني: زيادة درجة الشرعية للنظام السياسي وهذا يتطلب تفعيل مؤسسات التنشئة بدءاً من المدرسة والمناهج ومروراً بالإعلام وانتهاء بالاحزاب السياسية وهكذا، يُضاف الى ذلك اهمية نشر قيم الصدق، الأمانة، والثقة وهذه قيم تتطلب شرحاً موسعاً في مقال قادم بمشيئة الله، ولا أنسى النفاق الاجتماعي وأهمية بناء الصدقية والمصداقية على التعامل مع الآخرين، والحديث يطول وله بقية.