بقلم علي أحمد الرحامنة
معبر "نصيب" كما يسمى في سورية، ومعبر "جابر" في الأردن، أو (جابر-نصيب، نصيب-جابر)، هو معبر حدودي يقع بين بلدتي نصيب السورية في محافظة درعا (جنوب)، وجابر الأردنية في محافظة المفرق، وبدأ العمل فيه عام 1997. ويُعدّمعبر جابر-نصيب المعبر الأهم بين تسعة عشر معبرا بريا سوريا.
وللأردن الدولة والشعب والحكومة، مثلما لسوريا ولبنان، بل ولتركيا كذلك، مصلحة مشتركة في فتح هذا المعبر الحيوي. ويبدو أن لا معيقات هامة أمام اتخاذ هذه الخطوة من الجانبين، الأردني والسوري، وبإعلان مشترك متزامن. أما أصوات "النشاز" التي لا تريد أي تحسن في العلاقات الأردنية-السورية فهي قليلة عددا، ومحاصرة بمنطق مصلحة الشعبين، والسياسة، والأخوّة العربية، والجوار، وعشرات الأسباب الجوهرية الأخرى.
إن كل ما يُقال حول الأهمية الاقتصادية لمعبر جابر-نصيب للأردن وسوريا ولبنان وغيرها من الدول، يجب ألا يُفهَم للحظة من منظور اقتصادي نفعي-براغماتي-مصلحي مطلق، وهو منظور ذو مشروعية على كلّ حال، ولكنه يتحوّل إلى انتهازية وعدم وفاء، إذا ما جُرّد من أبعاده الأعمق، ممثلة في روابط العروبة والإسلام والجيرة الطيبة... ولن ننسى أننا، نحن العرب عموما، وأهل بلاد الشام خصوصا، قُسِّمنا بأقلام سايكس-بيكو، دون حتى أن نعلم!
ودون أن ننسى هذه الأولوية السياسية، يمكن البحث في الأبعاد الاقتصادية، والتي تشير بعض مؤشراتها إلى ما يدعو للتفاؤل، الذي نتمنى أن يتحول إلى تفاؤل سياسي يعيد العلاقات الأردنية-السورية، والعربية-العربية عموما إلى ما يجب أن تكون عليه -علاقة أشقاء يربطهم ما هو أهم وأعمق من مجرد المصالح الاقتصادية.
من مؤشرات التفاؤل بقرب افتتاح المعبر، مطالبة الحكومة الأردنية قبل أيام شركات الشحن والتخليص المبادرة لصيانة مكاتبها وإعادة أطقمها في منطقة جابر الحدودية مع سورية بهدف الاستعداد لمرحلة"إعادة تشغيل المعبر. ويبدو أن المملكة شرعت في إعادة تأهيل الجانب الأردني من معبر جابر (نصيب) مع سوريا، بحسب بعض المصادر.
وقبل ذلك، كان رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز شخصيا قد صرح بأن معبر نصيب الحدودي الكبير بين الأردن وسورية سيعود للعمل قريبا، ويبدو أن الدكتور الرزاز اعتمد على المعطيات المكتوبة التي قدمها وزير الخارجية أيمن الصفدي بعد سلسلة تفاهمات له مع روسيا.
وقبل أيام كذلك، أفادت مصادر إعلامية أردنية، بأن عددا من أعضاء نقابة التجار الأردنيين اجتمعوا الأربعاء الماضي مع وزير الصناعة والتجارة السوري في العاصمة دمشق، وأن الوفد بحث مع الوزير ومسؤولين سوريين آخرين سبل تعزيز التعاون التجاري المشترك، خاصة بعد أنباء عن قرب افتتاح معبر جابر - نصيب الحدودي بين البلدين. وكانت أنمار الخصاونة، الأمينة العامة لوزارة النقل الأردنية،قدأعلنتعن زيارة مرتقبة للأطراف المحلية المعنية بالنقل إلى سوريا، بعدما أبدى الطرفان رغبتهما بفتح معبر نصيب في أقرب وقت.
وبهذا المعنى، فإن المطالبة بفتح المعبر، والمنطقة الحرة في جواره، فور تأمينها وتجهيزهمالوجستيا وأمنيا، يجب أن يكون على رأس سلم الأولويات الاقتصادية لحكومة الدكتور الرزاز، والمؤشرات الأردنية تقول إن العمل جارٍ في هذا الاتجاه، وهذا ما يريح الأغلبية الساحقة من الأردنيين والسوريين واللبنانيين تباعا.
ولعل في توصيف نائب رئيس الوزراء الأردني السابق، الدكتور ممدوح العبادي لما يعنيه المعبر ما يكثّف تبعات إغلاق المعبر، حين قال قبل أيام إنسيطرة النظام السوري على كافة الأراضي السورية وطرد الجماعات المسلحة، ستنعكس إيجابا على الوضع الأردني أمنيا وسياسيا واقتصاديا، متوقعا عودة الأمور إلى طبيعتها قبل العام 2011،ف "الأردن اختنق من إغلاق المعابر مع سوريا، وشكل إغلاق المعابر مع دول الجوار ضربة للاقتصاد الأردني؛ لذا على الدولة الأردنية مواصلة اتصالاتها لتكون الحدود مع سوريا مفتوحة في أقرب وقت ممكن، وسيساعد ذلك أيضا في فتح الحدود مع العراق". ورأى الدكتور العبادي أن على النظام السوري تقدير دور الأردن في تجنيب السوريين إراقة المزيد من الدماء، وإبعاد شبح الحرب والقتل، بفعل دوره في الوصول إلى المصالحات التي تمت بين في عدد من مناطق الجنوب السوري، بعد أن نجحت المملكة في إقناع المعارضة السورية بالتوصل لاتفاق مع الجانب الروسي في الجنوب السوري، وتسليم المعابر والسلاح الثقيل والمتوسط.
في الجانب السوري، ومنذ إغلاق المعبر، تتكبد سورية خسائر تجارية يقدرها خبراء بأكثر من 20 مليون دولار يومياً. وفي الجانب الأردنيّ، ودون الخوض في تفاصيل أهميته لسوريا ولبنان وتركيا وأطراف عديدة أخرى، يكفي التذكير بأن التبادل الاقتصادي بين سوريا والأردن بلغ في العام 2010، قبل أزمة 2011 المستمرة، ما قيمته 615 مليون دولار، وتراجع هذا التبادل تدريجيا خلال سنيّ الحرب إلى أقل من 20 مليون دولار، ليتوقف وبشكلٍ نهائي منذ العام 2015 إثر سيطرة المجموعات المسلّحة على المعبر من ذلك الحين، وقُدّرت عائدات الأردن من هذا المعبر بـ 800 مليون دولار سنوياً، قبل إغلاقه.
وكانت(172) شركة تخليص جمركي ونقل تعمل على الجانب الأردني من المعبر قبل إغلاقه، إثر سيطرة فصائل المعارضة السورية عليه.هذا بالإضافة إلى وجود منطقة حرة مشتركة ترتبط مباشرة بمعبرين منفصلين الى الداخل السوري والأردني، وهذه المنطقة قامت بدور إيجابي مهم في اقتصاد الدولتين، وهيالآن جاهزة لوجستيا وخدماتيا، ومستعدة لتمارس نشاطها من جديد في أي وقت يسمح بذلك.وقبل إغلاقها، كانت المنطقة الحرة توفر فرص عمل لأكثر من (4) آلاف شخص من البلدين، وكانت تحوي حوالي (35) مصنعا وأكثر من (100) معرض سيارات وعشرات المحال التجارية وساحات للشاحنات ومستودعات لممارسة كافة الأنشطة التجارية.
أما الصادرات، وبحسب بيانات وزارة الصناعة والتجارة الأردنية، فقد انخفضت صادرات الأردن إلى سورية بنسبة 82% وبلغت 7 ملايين دولار، مقابل نحو 238 مليون دولار عام 2010 قبل اندلاع الحرب في سورية.وفتح معبر جابر-نصيب سيُحدث انتعاشا شبه فوريّ للصادرات الأردنية إلى أسواق سورية ولبنان وتركيا وأوروبا وروسيا وغيرها من الأسواق، التي يتم التصدير إليها من خلال خط الترانزيت البرّي الوحيد الذي يربط الأردن بهذه الجهات عبر الأراضي السورية.
وبكلمات رئيس صناعة الاردن عدنان ابو الراغب،فإنمختلف مكوّنات القطاع الخاص عانت خلال السنوات الماضية جراء إغلاق العديد من المعابر الحدودية التي تُعدّ شريان حياة مهم للاقتصاد الأردني، مثل معبر طريبيل الحدودي مع العراق، ومعبر جابر مع سوريا، ما أدّى الى تراجع كافة المنحنيات الاقتصادية وتراجع الإنتاجية،بسبب فقدان اسواق مهمة ومعابر حدودية يستطيع القطاع الخاص من خلالها الوصول إلى العديد من دول العالم.
وهناك عدد من الحقائق المباشرة الملموسة، التي قد تسهم في توضيح أهمية الجانب الاقتصادي الأردني لفتح المعبر لآلاف الأردنيين، وللاقتصاد الوطني عموما. فعلى لسان أمين عام وزارة النقل الأردنية أنمار الخصاونة، هناك نحو (21) ألف شاحنة في الأردن ضمن قطاع الشحن، ثلثها يكفي لسد حاجات الأردن، فيما الباقية مستعدة للدخول إلى سوريا لاستئناف نقل البضائع وانسياب حركة النقل بين البلدين ودول المنطقة وأوروبا. ويقول رئيس اتحاد مزارعي وادي الأردن عدنان الخدام إن إعادة فتح المعبر ستشكل مصلحة مشتركة للأردن وسورية من الناحية الاقتصادية، حيث كان المعبر الرئة التي يتنفس منها القطاع الزراعي الأردني، وطريقا رئيسا لتصدير المنتجات الزراعية الأردنية إلى أسواق تركيا ولبنان وأوروبا وروسيا.
فالقطاع الزراعي تعرض لخسائر تقدر بالمليارات منذ العام 2011 مع بدء الأحداث في سورية وتراجع التصدير عبرها، إلى أن تم إغلاق الحدود بالكامل، بل وقال إن إعادة فتح المعبر خلال الفترة المقبلة سيكون بمثابة إعادة للحياة بالنسبة للقطاع. ومن الأمثلة في القطاع الصناعي، ما يبيّنه رئيس هيئة مستثمري المناطق الحرة نبيل رمان، بترجيحه أن ترتفع صادرات المنطقة الحرة بالزرقاء بعد فتح معبر جابر مع سورية إلى قرابة مليار دولار سنوي، فيما صادراتها السنوية حاليا تصل إلى قرابة 600 مليون دولار، والمنطقة الحرة في الزرقاء تضم 220 مصنعا مختلفا كانت تعمل على تصدير البضائع من خلال المعبر إلى لبنان وتركيا وأسواق دول أوروبية.
وكان نقيب أصحاب الشاحنات محمد خير الداوود أكد أن قطاع الشاحنات الأردنية على جاهزية كاملة لنقل البضائع وتبادلها بشكل فوري مع سورية، بمجرد الإعلان عن فتح الحدود الأردنية السورية بشكل رسمي، مشيرا إلى أن هناك (5) آلاف شاحنة أردنية جاهزة لتنفيذ العمل في نقل البضائع، وأن استئناف العلاقات التجارية بين البلدين من شأنه إتاحة عودة مبادلة البضائع على الحدود الأردنية السورية، بعدما تجاوزت خسائر قطاع الشاحنات خلال سنوات الأزمتين؛ العراقية والسورية تجاوزت الـ مليون دينار (نحو 1.022 مليار دولار) بسبب إغلاق المنافذ مع البلدين.
والمشهد في لبنان مشابه، حيث يشكل الطريق البري عبر معبر جابر-نصيب شرياناً حيوياً للقطاعات الإنتاجية والخدمية اللبنانية، كونه المنفذ الوحيد إلى أسواق لبنان التقليدية، بكلفة تقل كثيرا ن تلك المترتبة من النقل بحراً، وبزمن أقلّ بكثير أيضاً. وجاءت زيارة وزير الصناعة اللبناني حسين الحاج حسن الأخيرة لسورية فبحثت في شبكة المواصلات البرية التي باتت مؤهلة لحركة الترانزيت، ومثلما هو الحال عندنا في المملكة، أكد رئيس تجمع مزارعي البقاع إبراهيم ترشيشي في حديث لصحيفة "الحياة"، أن إعادة فتح معبر نصيب هو "حلم كل مزارع وصناعي ولمن يعمل في القطاع السياحي، نظراً إلى أهميته في وصل لبنان بكل الدول العربية".
وبعد،
لا يزال عنوان هذه المقالة كما هو:
المطلوب فتح معبر جابر-نصيب اليوم قبل الغد، والأسباب أهم وأعمق من "اقتصادية"