قبل نحو أربعة شهورٍ من موعد انتخابات الرئاسة الأميركية، وفي علامة فارقةٍ من الاستقطاب السياسي هناك، جاءت محاولة اغتيال ترمب، فما قبل هذه المحاولة ليس كما بعدها ، في مسار انتخاباتٍ أميركيٍ يمكن وصفه بالمثير هذه المرة، ويختلف في شكله ومضمونه عن السباقات التي مضت.
حتى لحظة خطاب ترمب، في بنسيلفانيا.. كان الجدل يدور حول زلات بايدن، وعمره، وكان الحزب الديمقراطي غارقاً في مواقف متباينة بشأن بقاء بايدن أم انسحابه من السباق.. وكان الاستقطاب على أشده، ولكن محاولة الاغتيال هذه أعادت إنتاج المشهد.
أولى ما كان هو أن استطلاعات الرأي "الفورية" أعطت المرشح الجمهوري ترمب المزيد من الأنصار والتعاطف، وكانت صورة قبضة يده التي رفعها، وهو ملطخ بالدماء رمزيةً لدى الناخبين من أنصاره، فهي رسمت لحظة إصرارٍ للرجل على مواصلة السباق، فالروح القتالية للرجل بدّت جليّة.
والملاحظ أيضاً، وهو الأهم برأيي، أن إدانة العنف السياسي في أميركا بدت واضحةً من الخصوم والمتنافسين جميعاً، وهذه حاجة أميركية اليوم في ظل الجدل حول السلاح وانتشاره، وانحرافات اليمين الأميركي.. فجاءت هذه المحاولة لتثبت أن لليسار (أو تطرفه) انحرافاته أيضاً.
صورة ترمب اليوم كرجل قوي تتعزز في الداخل الأميركي بعد محاولة الاغتيال هذه، ويبدو أن هذه صورة تمحو سابقتها، حين نشرت صورته مداناً كما صور المجرمين.
هذا المشهد في أميركا اليوم يشير إلى زخمٍ كبيرٍ للجمهوريين، وأن محاولة الاغتيال هذه ثبتت ترمب كمنافس للرئيس الديمقراطي الذي يغرق حزبه في مراجعات أو يمكن وصفها بخلافات بشأن بقائه من عدمه في السباق، ويبدو أن على أصدقاء أميركاء وحلفائها أن يتحضروا لترمب كرئيس مقبل.
ولكن في تفاصيل المشهد، ونحن مراقبون عن بعد.. نلحظ أن الديمقراطيين والجمهوريين، كانوا بحاجةٍ إلى أن يجمعوا على شيء، فكان أن أجمعوا على إدانة هذا العنف، ولربما يتجهون في مقبل الأيام إلى التهدئة من خطابهم السياسي، بعد أن أصبح خطاب كلا المرشحين (ترمب وبايدن) يشوبه الكثير من النقد اللاذع المتبادل.
أميركا اليوم تمر بلحظة مختلفة، والعالم كله يراقب ما يجري فيها، وهذه الانتخابات فيها الكثير من "الدراما"، والثنائية بين الديمقراطيين والجمهوريين اليوم تؤشر إلى أن لدى كل من الحزبين همومه، واستقطاباته وانحرافاته.
وأيضا، يجب مراقبة تفاصيل المشهد الأميركي وتحديداً صحافته التي سارعت إلى التحذير والتصدي للمعلومات الزائفة، بل وعبرت عن مخاوف من فصولٍ سياسيةٍ مليئة بالعنف، إن لم يتم تدراك المشهد.
هي اللحظة الأميركية الجديدة فيها عديد التفاصيل، ولكنها تختبر من جديد مقدرة هذا البلد على قيادة عصره، والتأثير على العالم.. فما يجري داخل المجتمع الأميركي لا يقتصر تأثيره على الولايات المتحدة وحدها، بل على العالم أيضاً.