حلمي الأسمر
كما يفعل ملايين البشر على سطح الكرة، حينما استيقظت صباح الخميس بدأت يومي بتفقد جهازي الخلوي اللعين، وأول ما طالعني رسالة اختبأت في إحدى مجموعات «الواتس أب» أطلت علي بعنقها، كمن يريد أن يحكم على يومي بالإعدام، رسالة من أحد الناجين من سجون السفاح مختل ومحتل الشام، شعرت كأن ثمة مؤامرة علي بشكل شخصي، فالرسالة غارقة في الدم، وتسجل وقائع لا يمكن أن تشاهدها إلا في أفلام الرعب، التي تبثها قنوات الأفلام بعد منتصف الليل، لتوفر ما يلزم من كوابيس للسهارى، بدأت أتفقد أطرافي وأجزاء جسمي، بعد أن شدتني الاعترافات لأقرأها حتى آخر قطرة دم في عروقي، وعلى الفور، رحلت بأصابعي إلى الفيسبوك، لأرصد مهرجان «التوجيهي» ربما هربا من كابوس الصباح، لأجد نفسي وسط كابوس من نوع آخر، ونسبة نجاح لا تتجاوز الخمسين في المائة، ووجدتني أخط على صفحتي كلمات، أهدهد فيها حزن الأمهات،، وفي الأثناء تذكرت أن التعذيب في بلدنا محرم ومجرم قانونا، وهو من الجرائم التي لا تسقط بالتقادم، فــيا من فاتتهم فرصة النجاح في الملعون «التوجيهي» أقول: إياكم والاكتئاب، ثمة فرص أخرى بلا نهاية، أركلوا الهم بطرف إصبع رجلكم اليسرى...
ولمن اجتازوا المرحلة بنجاح، مبروك، والله يعينكم، فالأصعب قادم!
-2-
حسب علمي قلة من دول العالم لم تزل تتمسك بهذا الامتحان اللعين، وعلى النحو الذي يجري في بلادنا، فهو حتى مع «التحسينات» والمقبلات التي أجريت عليه، لم يزل تجربة مخيفة جالبة للهم والغم، ومصدرا من مصادر القلق والتوتر والمرض النفسي، وحسب علمي، فقد ابتدعت الدول التي تحرص على صحة مواطنيها بدائل محسنة عن هذا الامتحان اللعين، أزالت عنه صفة الرهبة والخوف والتوتر، يعرفها التربويون عندنا حق المعرفة، وكل ما نحتاجه هنا قرارا سياسيا بإطلاق رصاصة الرحمة على هذا الامتحان الذي لا يرحم، واستبداله بصيغة أخرى من صيغ التقويم الحديثة التي لا تسبب للأسر كل هذه «الفوبيا» والمكلفة، ، وأرجو أن يمتد بي العمر لأرى ذلك اليوم الذي نودع فيه التوجيهي، كما ودعنا في غابر الأيام امتحان «المترك» حيث كنت واحدا من الدفعة الأخيرة التي أدت هذا الامتحان قبل قبره، الذي كان الشقيق الشقي للتوجيهي، ونسخة طبق الأصل عنه، وكنا نؤديه في نهاية المرحلة الإعدادية، وها هو أصبح في خبر كان، ولم يحصل شيء، بل مجرد ذكرى، ولن يحصل شيء أيضا لو استبدل شقيقه الأكبر بصيغة أخرى أقل كارثية مما نحن فيه!
-3-
أزداد قناعة كل يوم أن ثمة أصابعا خفية تدير حياة أبناء هذه الأمة، وأن ثمة حالة غريبة من الانقياد تتلبسنا جميعا، للدخول إلى جحر «الضب» أو الضبع إياها، فنحن مضبوعون منقادون لحتف ما، سواء أكان حتفا بالمعنى الحقيقي أم المجازي، كل ما حولك يدفعك بقوة للجنون والكآبة، والدرس الذي بودي أن يكون في الدقائق الخمس الأولى لأي نشاط بشري، سواء أكان احتفالا أو حصة مدرسية، أو محاضرة في الجامعة، هو كيفية صناعة الفرح، وبعث روح الأمل في الحياة، ومقاومة جحافل الهم والغم التي يطلقونها علينا، لتقتلنا ونحن أحياء، علينا أن نقاوم موتنا بالحياة واجتراح أي سبب للخلاص مما يراد بنا، أو ما نريد نحن تحت تأثير الحياة الصعبة، مقاومة النكد لا تقل أهمية عن «الجهاد الأكبر» وهو مجاهدة النفس!
الدستور