في زمن الإنجازات العظيمة التي حققها وطني الأردن قيادة وشعبا في زمن صراعات معقدة أبرزها الحرب الهمجية التي يشنها الكيان الصهيوني العنصري المتطرف على قطاع غزة والضفة الغربية والتي تستمر دون أي مشروع عالمي وعربي لوقف المخططات الصهيونية، يستمر الدور الأردني مدافعًا عن حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على أرض فلسطين وعاصمتها القدس، وفي ذات الوقت يستمر الأردن في تجاوز الآثار الكارثية للصراعات الاقليمية والدولية للحفاظ على الإنسان وإقتصاد الدولة بحكمة القائد ووعي الشعب. وهنا فإننا لا نغفل أننا مكون من مكونات الجغرافيا والديمغرافيا العالمية. بل أننا لن نستطيع أن نعيش في عزلة، فهذا وقت للعمل الجماعي الإنساني الذي مزقته الصراعات العالمية.
ان العالم يتشكل من جديد. وقد يكون ثنائي القطبية أو متعدد الأقطاب. ومن الممكن ان تقوده الصين أو روسيا وقد تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من استعادة توازنها للمرور الأمن من هذه الأزمات اقتصاديا وسياسيا. ولكننا هنا وفي زمن الحديث عن المآسي في زماننا المقلوب قد يطول شرحنا . كيف لا ؟ ونحن نقرأ عن مأساة الحلاج التي أسهب الأدباء في وصفها ، وعن مأساة شعب فلسطين الذي تشرد فوق كل كوكب ، وعن مأساة الامة التي تعاني من محيطها إلى خليجها من التجزئه وحروب القبائل والانفصال منذ قرون .
أين أمس اليمن السعيد من واقعه اليوم ، حيث الامراض والحروب تفتك بشعبه، والجوع والتشريد يلاحقهم، وفي سوريا يندحر الارهاب من بقعه ليظهر في أخرى، ويغير من شكله ولونه ولكنه لا يتلاشى بلا ثمن خاصة وأن الممول والممول للاقتتال موجود وسخي ، ولن اتوقف عند الشرخ الذي ضرب وحدة الشعب وحروب الطوائف بل سأذكر أن حروب الوكاله تخاض في سوريا وأن إعمار سوريا وعودة المهجرين وتأهيل المكلومين هي مأساة بحد عينها في هذا الزمان وقبله وستكون بعده .
وفي العراق فالحال ليس أفضل، فحرب الفساد والإفساد أشد من نير الوجود الأجنبي الذي لا يكاد يعلن عن انسحاب حتى تراه يعود بقوة أكبر لأنه باختصار حضر ليبقى زراعا للانقسام والتجزئة ، والشعب لم يتخلص بعد من ماضٍ مرير من التمزق والتشرذم وغياب الأمن والامان وحتى الدولة، ونهب مقدراته ومستقبله معاً .
أما صراعات الحاضر فقد تكون مدخلا لنظام عالمي جديد تتغير فيه قواعد اللعبة وقواعد الحياة معا . فقد استفحل الصراع وضرب عمق النظام العالمي ومؤسساته الدولية، وأوقفت آثاره حياة الرفاهية التي اعتادتها شعوب العالم الجديد والقديم معا. وأصبحت أحلام مشاريع التنميه أحاديث رفاهية في ظل الخوف من المجهول.
وعودة إلى ذي بدء فقد أمست ليبيا النهر الصناعي العظيم تتقاسمها حكومات ومليشيات ودول تعمل على قاعدة الكراسي المتعاكسه، وحلم الرفاهيه في ليبيا الغد، أصبح في البحث عن الذات والمكان في ظل ضياع زمان الانجازات، ولا تتوقف القائمه ولكن يعجز القلم عن تسجيل المآسي في الصومال و السودان وغيرها في ظل الأزمات الجديدة التي تشغل الشارع الآن والتوقعات مفتوحة تماما.
إنَ مآسي فلسطين واليمن وسوريا والعراق والسودان وليبيا وغيرها التي أرادت لها معايير السياسة الحديثة أن تطول يجب أن تزول, لان ما وراء الأكمة ما وراءها يدفع الى فكري بيتاً شعريا للشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود في فلسطين وهو يقول:
وسابقت النسيم ولا افتخار أليس عليَ أنْ أفدي بلادي
فالشاعر و الامة كلاهما ضحية وشهيد، فالأول سَطَر بدمائه انشودة المجد، والثاني قدَمت نفسها قرباناً لترتيبات ما فوق اقليمية، في مأساة تفتيت دول وذوبان هوية شعوب واستهداف لامة باكملها ، والشعوب تدفع الثمن دماءاً زكية وخراب وضياع، فصدق فيهما قول القائل:"
والجود بالنفس أقصى غاية الجود".
لقد لحقت شعوب ليبيا والسودان والعراق والصومال واليمن الشعب الفلسطيني وسوريا إلى مسلسل الضياع والفرقة والتجزئة والتشريد والموت في قطار سريع لا تعرف له وجهة ، واذا كان الشعب الفلسطيني قد اختار قهر الأيام حتى لا يتخذ ظالم غشوم، مُسلَح بكل أدوات التخريب والتهويد والحصار، وصياغة المؤامرات والاغتيالات والإساءة إلى وحدته حُجَة، للهجوم على الامة، ونهب خيراتها سبيلاً، وتعذيب شعبها منهجاً، فإن الصراعات العالمية ستدفع الجميع إلى التفكير بالجلوس إلى طاولة واحدة ليس للحوار فقد انقضى وقت الحوار وآن وقت العمل فالساعات والأيام والاشهر القادمة لن تترك لأحد فرصة للتفكير. فأما أن تتصالح الطوائف والقبائل والساسه والدول كي تتحرر الارض والانسان في كل الارض العربية ، وأن يعم العدل. وأما الخراب فعصر اليوم ليس كالامس ولن يتمكن أحد اليوم من معرفة الغد.
إنَ الذين يرسمون السياسة في عصرنا قد غرتهم القوة ,واستمرأوا الظلم , وما عاد يهمهم إلا مصلحتهم على حساب الشعوب الصغيرة والضعيفة , ولكن ما من أمَة فيها شعوب كامتنا يمكن ان تموت , فهي الأرض قلبها صخر , ولكنه معطاء يتصبب منه الماء بقوة المحيط العظيم، ورحلة الشرف العظيمة حتى تتحرر امتنا من ظلم النظام العالمي الجديد الذي فقد بوصلته وورط العالم بحروبه مع فئات هو من صنعها وسلحها وزودها بكل ما تحتاج ، وها هو اليوم يستنجد بالعالم لينقذه من ورطته بعد أن توقف الإنتاج وعجز عن التسويق. وربما يكون القادم حربا تتلاءم وعصر الصراعات ،وكل أملنا أن تكون عاقبة ذلك خيراً وأن تنفرج الأزمات، وحفظ الله الوطن آمنًا مستقرًا .