يتمتع الأردن – المملكة الأردنية الهاشمية بموقع جيوسياسي فريد من نوعه وفي صدارة دول العرب ، و يمتلك اطلالة هامة على فلسطين و إسرائيل ، و بالقرب من دول التماس مثل مصر و سوريا و لبنان ، وعمقه عربي واسع ، و حضارته إسلامية مرتبطة بالمسيحية . و تاريخه ضارب في عمق التاريخ القديم و المعاصر ، فلقد تواجد في العصر الحجري منذ مليون و نصف المليون سنة ، وهو نتاج لثورة العرب الهاشمية الكبرى التي قاد فرسانها ملك العرب و شريفهم الحسين بن علي طيب الله ثراه . و بني على أكتاف ملوك هاشميين في أزمان التأسيس ( عبد الله الأول ) ، و الدستور ( طلال ) ، و البناء الطويل ( الحسين العظيم ) ، و تعزيز البناء ( عبد الله الثاني ) حفظه الله وولي عهده المحبوب ( الحسين بن عبد الله ) ، وعبد الله الثالث قادم بمشيئة الله وحفظه .
وبرز في تاريخ الأردن رجالات وطنية قل نظيرهم مثل هزاع المجالي ، ووصفي التل ، و مشهور حديثة الجازي . و أخرون مثل مضر بدران و أحمد عبيدات ، و طاهر المصري ، و عون الخصاونة و غيرهم كثر . ولم يستعجل الأردن عقد سلام مع إسرائيل عام 1994 و انتظر مصر الشقيقة عام 1979 ، و تأمل في اتفاقية أوسلو عام 1993 و درسها بعناية . و شكل السلام الأردني – الإسرائيلي بالنسبة لنا هنا في الأردن منصة لضمان أمن حدودنا الغربية ،و المائية المتصلة أيضا بالأراضي السورية ،و للحفاظ على الوصاية الهاشمية على المقدسات في فلسطين المحتلة . و تمكن الأردن و بإصرار خاص من جلالة الملك عبد الله الثاني من تحرير إقليمي " الباقورة في محافظة إربد ،و الغمر في محافظة العقبة " عام 2019 من فكي معاهدة السلام ذاتها التي تناهضها قوى المعارضة في بلدنا رغم خدمتها لنا و للأشقاء الفلسطينيين في الظروف الصعبة .
و الأردن – القلعة كما إسمها في عمق التاريخ المعاصر ،و نهره الخالد ، الذي تغنى به شاعر الأمة حيدر محمود و بالعاصمة عمان الشامخة فوق رؤوس الهضاب السبع ، منارة عربية ، جيشه عربي باسل ، و أجهزته الأمنية كافة موقرة و ساهرة مدار الساعة على أمن الوطن و المواطن . وهو عضو في الأمم المتحدة منذعام 1955 ، و عضو في مجلس الأمن في الأعوام ( 1965 و 1966 ، و 1982 ، و 1983 ، و 2014 ، و 2015 ) . و سيادته على أرضه كاملة ، و قراره الوطني كذلك . ولا تستطيع جهة داخلية و لا خارجية تغيير بوصلته ،و مصلحة الأردن الوطن الغالي فوق كل اعتبار . وهو خط أحمر ، و حسب الدستور في مادته رقم 30 ( الملك هو رأس الدولة وهو مصون من كل تبعية و مسؤولية ) ، و في مادته 33 ( الملك هو الذي يعلن الحرب و يعقد السلام و يبرم المعاهدات و الاتفاقات ) . و بناء عليه الملك خط أحمر ومحصن دستوريا .
و للأردن مع القضية الفلسطينية العادلة منذ تحرك قضيتها عام 1948 تاريخ معاصر طويل وقصة كفاح مخر عباب حروب شرسة مع إسرائيل في اللطرون و باب الواد و القدس عام 1948 شارك فيها ببسالة جيشنا العربي ، و سجل غياب الوحدة العربية النكبة الأولى ،و اغتيال الملك الشهيد عبد الله الأول رحمه الله . وشكلت حرب ( السموع ) عام 1966 بعد التحرش الإسرائيلي بداية بالعمل الفدائي الفلسطيني و الأصطدام مع الجيش العربي الأردني بوابة لتكرار الحدث- الحرب عام 1967 رغم أنه قرارها كان قوميا ، فتحولت لنكسة جديدة افقدت العرب فلسطين و الجولان ومزارع شبعا ، وأبقت غزة تترنح ، بسبب غياب مستوى التجهيز العربي لها ، وهنا لا اتحدث عن سيناء التي عادت لعرين مصر العربية بقوة السلام ، و شعار " ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة " و الذي هو ناصري قومي لم يترجم جاهزية القوة و الاستخبار و الوحدة الواسعة العربية الحقيقية في ارض المعركة .
واستمر الأردن يواجه الصدامات العسكرية من طرف إسرائيل ، و السبب يتكرر و هو واحد الأشتباك مع قضية فلسطين . و حقق الأردن بجهد قواته المسلحة الباسلة و قائدها الميداني مشهور الجازي و في ظل قيادة مليكنا الراحل العظيم الحسين عام 1968 نصرا فريدا بإسم العرب اشترك في خندقه أهلنا في فلسطين و مقاومتهم في معركة الكرامة .وسجلت حقبة بداية سبعينات القرن الماضي إسم وصفي التل عاشق الأردن و فلسطين شهيدا على مستوى الوطن .
و يمضي الأردن على طريق المجد قدما الى الأمام ، فشارك في حرب تشرين القومية المنتصرة عام 1973 التي حررت مساحات واسعة من مدينة( القنيطرة) الجولانية ، ووقف صامدا في خندق العراق و القومية العربية عام 1980 / 1988 . وواصل بناء علاقات دولية متوازنة مع شرق و غرب العالم أخذا بعين الاعتبار مصلحة الأردن العليا .
و في حرب غزة بعد السابع من أكتوبر 2023 التي اندلعت بقرار من حماس – حركة التحرر العربية – الفلسطينية – الإسلامية ( الأيدولوجيا ) ، و بعد التفاف المقاومة الفلسطينية و العربية حولها تعبيرا عن مسيرة الاضطهاد التي واجهتها القضية الفلسطينية على مدى 75 عاما ، و بعد التطاول الإسرائيلي على الأقصى المبارك ، و على كرامة أهلنا في فلسطين ، و الشروع في تنفيذ حرب ابادة ضدهم برقم تجاوز 33 الفا ، و محاولة تشريد الأحياء منهم ، و قف الأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني بشجاعة الى جانب القضية الفلسطينية و أهلها مجددا ،وجاب منصات المحافل الدولية بشكل ملاحظ قل نظيره من أجل وقف العدوان الإسرائيلي الغاشم ، وواصل تقديم المساعدات الإنسانية و الطبية دون كلل و ملل للأهل في فلسطين ، و شارك جلالته شخصيا بتقديمها من فوق طائرات سلاح الجو الملكي الأردني ، و هي ميزة أردنية – عربية يصعب تكرارها .
وبعد اختراق إسرائيل للسيادتين السورية و الإيرانية بقصف القنصلية الإيرانية يوم الأثنين من نيسان 2024 ، و التسبب في مقتل مجموعة من الخبراء الإيرانيين ، و لجوء ايران لخيار الرد العسكري ، واجه الأردن مسألة اختراق ايران فضائه الجوي بنفسه دفاعا عن سيادته ، و شجب تهديد ايران له بعد التشكيك بموقفه من التراشق بالنيران بين ايران و إسرائيل ، وتوج خطابه بتصريح لجلالة الملك من واشنطن بعد لقاء رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن ، و عن طريق استدعاء سفير طهران بعمان لتبليغه عبر الخارجية الأردنية احتجاج الأردن ، و لتوضيح موقفه على الحياد في التعامل مع اختراق الأجواء لو تكرر من جانب إسرائيل أيضا .
وفي الحرب الروسية – الأوكرانية الممتدة منذ عام 2022 ، و قف الأردن على الحياد ، و دعا للحوار بين الدولتين الصديقتين للأردن روسيا الاتحادية و أوكرانيا بهدف الوصول الى سلام بينهما متجازوا سقف الحرب الباردة و سباق التسلح بين احادية القطب و تعددية الأقطاب . وفي الختام هنا ضروري لفت الأنتباه الى عدم زج الأردن في القضايا الإقليمية في زمن محتاج فيه لمواصلة البناء ،و الأستقرار ، و التنمية الشاملة . و الأردن لن يخوض حربا بقرار خارجي ، وهو صاحب القرار في الحرب و في السلام .