اعتدت الكتابة عن الوطن وللوطن دون منّة أو خوف في السراء والضراء، فقد صدر لي أربعة عشرة طبعة من النظام السياسي الأردني، ومئات المقالات أتناول بها الشأن الأردني في كل جوانبه وجوائجه، ووصل الأمر بأحد رؤساء الوزراء السابقين أن يقول لي: "أن أردنيتك زائدة"، نعم أردني أصيل وأفتخر بوطني ودولتي وشعبي العظيم. لست وجلاً أن أقول أنا أردني. ولدنا وتربينا وترعرعنا في أطراف الصحراء من المفرق الأبية، وأعتقد جازماً أن هذا الأمر موجود لدى كل أردني غيور، وهذا شأن الأردنيون كافة دون استثناء. يقال في الشدة يقاس الصبر، وفي النقاش يقاس العقل، وفي المواقف يقاس البشر، تمر القضية الفلسطينية في محنة كبرى وحالة من الإمعان والانتقام في القتل والاستمرار في الاعتداء الغاشم دون رادع. فقيادة إسرائيل السياسية والعسكرية لا تسمع من أي أحد حتى من أقرب الحلفاء لها، وتضرب بالحائط قرار مجلس الأمن وقرارات محكمة العدل الدولية وهي متمادية في التدمير والقتل دون أي رادع أخلاقي أو أنساني. ونحن في الأردن، من اللحظة الأولى للعدوان قلنا أن السفير شخص غير مرغوب فيه وأوقفنا اتفاقية الماء والطاقة ورفضنا التعاون مع العدو الصهيوني في كل مجال، وانطلقت المساعدات الإنسانية والطبية الى القطاع عبر البر والجو، وكنا أول دولة في العالم تنزل المساعدات من الجو وعلّمنا الآخرين كيف يكون ذلك. فالشعور الأردني عميق ومتعاطف مع الأشقاء في غزة، ومع كل قطرة دم أو شهيد أو جريح يتفطر قلب كل أردني ويشعر بالاسى لما يجزي، فكيف لا وهم الأشقاء الأقرب، والقضية الفلسطينية عبر 75 عاماَ في وجدان كل أردني، وما من بيت اردني إلا وفيه شهيد أو جريح من أجل فلسطين، وأنا محدثكم، والدي أحد جرحى حرب الأيام الستة 1976. فكيف لنا في هذا الوطن ألا نتعاطف ونحس بألم وشكوى أهل غزة وفلسطين، وما أن يقع الكوز بالجرة، تُستل السيوف وتنطلق السهام ضد الأردن ومواقفه، وتبدأ حملة من التخوين والتشويه لصورة البلد الصابر القابض على جمر العروبة والقضية، وتبدأ معها حركة مضللة من البعض لنشر الفتنة والسواد والشر، ومحاولات تمزيق البنى الاجتماعية وخلق الشرخ الوطني للوحدة في أرجاء البلاد وذلك بحجج مختلفة وأجندة مشبوهة وشعارات حقيرة لا تنم بالخير أو للخير للدولة والوطن.
وهنالك محاولات تشكيك في الدور والمواقف الأردنية والإساءة للأمن الوطني، وهتافات مسيئة نابعة من أجندات داخلية وخارجية للتأثير على الحالة الأردنية، ومرت البلاد بأقسى من ذلك لكن الجميع يعرف أن الوطن له من يحميه ويذود عنه، رجال لم يعرفوا الخيانة ولا الرياء، فالمؤسسة العسكرية والمؤسسات الأمنية مشهود لها بهذا الدور التاريخي المستمر للحاضر والمستقبل. الدولة الأردنية تعطي الحق للمواطن في التعبير عن رأيه، وحقه محفوظ في التظاهر وإبداء رأيه بطريقة قانونية، فنصوص الدستور واضحة في ذلك. لكن الإساءة للوطن الدولة غير مقبول من أي كان. وأهمية احترام القانون ضرورة. رأيت أحد ضباط الأمن العام يستقبل المتظاهرين ويعاملهم بلطف عالي بالرقة والاحترام، ويقابل هذا من البعض ولا أعمم، بالسوء والإساءة. آخذين بعين الاعتبار بأن الدور الأردني تجاه غزة متقدم جداً بالمقارنة مع مواقف وأدوار الغير. وأتذكر هنا قول شاعر الأردن حين قال: " فلا ودّ ولا وفاء ولا ذمام"، نحن أهل الحق بالقول والفعل ولا يضيرنا شيء، قولوا ما شئتم ونحن نعرف أنفسنا أباً عن جدً وكابر عن كابر.
هناك بعض الأقلام النظيفة دافعت عن الوطن لكن عددها لا يتعدى عدد أصابع اليد. فأين اللذين حصلوا على المغانم وتركوا الوطن؟ أين نواب الأمة من الدفاع عن الوطن الدولة؟ وعددهم مائة وثلاثين والسابقين يتجاوز عددهم تسعمائة؟ أين أعيان البلاد ذوي الخبرة والحكمة والعقل الرصين؟ غابت أقلامهم وتصريحاتهم وحتى حضورهم باستثناء رئيسهم المتحرك في الدفاع عن الوطن؟ أين قيادات الأحزاب وأعضائها الذين تجاوز عددهم 81 ألفاً، والقائمة تطول وتطول جدا للغائبين عن الساحة السياسية والإعلامية؟
نحن في هذا الوطن شركاء في المغنم والمغرم وما علينا إلا الوقوف مع الوطن الدولة في السراء والضراء والدفاع عنه على الأقل بالكلمة الصادقة والموقف الواضح وهذا الواضح وهذا أقل الإيمان وأدنى درجات الانتماء والولاء.