الكل منا يعتز بأصله وفصله، وهذا أمر طبيعي يستند إلى ارتباط الفرد بأهله وروابطه الاجتماعية، والكل منا يعتز ويفتخر بعشيرته لأنها تشكل رابطا اجتماعيا عصبويا، فالعشيرة رابط مبنية على الدم والقرابة وتشكل حاضنة للأفراد في مجموعهم، فهي وحدة اجتماعية تصهرهم في بوتقة واحدة، وهي سند اجتماعي يحتاجه المرء في الافراح والاتراح، وتشكل وحدة حماية اجتماعية في الازمات حيث يلجأ كثير من الناس الى هذه الوحدة والعصبة ليشعر بالحماية والاطمئنان النفسي اذا ما تعرض لطارئ وهذا امر طبيعي جدا يحتاجه كل فرد. اما الحزب السياسي فهو تنظيم سياسي يقوم على مبادئ وافكار ينتج عنها برامج يسعى للوصول للسلطة السياسية، بطرق سلمية ومشروعة حسب القوانين الناظمة للحياة السياسية، فالسؤال: «هل هناك تعارض بين العشيرة والحزب السياسي"؟.
من حيث المبدأ استطيع القول إنه لا تعارض بينهما، حيث ان العشيرة كوحدة ورابطة اجتماعية او مؤسسة اجتماعية صرفة، فهي حاضنة للافراد في كل الابعاد ذات الطابع الاجتماعي، فابن العشيرة يمكن ان يكون عضوا في حزب سياسي دون التأثير على روابطه الاجتماعية، فالعمل السياسي هو فعل لممارسة النشاطات السياسية، وينتقل احيانا للفعل الاجتماعي دون تأثير من اصوله ومنابته الاجتماعية، فالفرد والبنى يتغير فعلها «Action» من اجتماعي، الى سياسي وبالعكس، وعودة الى البدايات عَرَفَ الاردن الاحزاب السياسية منذ تأسيس الدولة، وانخرطت الناس وخصوصا النخب الاجتماعية والعشائرية في الحياة السياسية منذ ذلك الوقت ولم تكن شيء معيب او مؤثر على الروابط العشائرية والاجتماعية آنذاك، وانخرط شيوخ العشائر الاردنية في تلك الاحزاب يمارسون العمل السياسي احيانا واحيانا اخرى يقومون بأدوار اجتماعية عديدة، وللعلم في منتصف العشرينيات من القرن الماضي كان عدد سكان الاردن 270 ألف مواطن 150 منهم يعيشون في المدن والقُرى والحواضن الاجتماعية و120 منهم بدو رُحَّل او اشباه رُحَّل وانخرط اصحاب الوعي السياسي منهم في الحياة السياسية بنشاط وفعالية، ولم تتعارض تلك الافعال مع بعدهم العشائري مُطلقاً.
واليوم امام حركة التحديث السياسي الجارية في البلاد هناك احزاب سياسية يزيد عددها عن 32 حزبا مرخصا، وتتكون توجهاتها من اليمين الى اليسار وما بينهما وصدر قانون احزاب تحت رقم 7 لسنة 2022 وقانون انتخاب تحت رقم 4 لسنة 2022، وعرف الحزب بانه تنظيم سياسي وطني يتألف من اردنيين تجمعهم قيم المواطنة، ويهدف للمشاركة في الحياة السياسية، وخوض الانتخابات وتشكيل الحكومات أو المشاركة فيها لان الهدف المرحلي هو الوصول الى حكومات برلمانية منتخبة شعبيا، هذا وخصص للأحزاب 30%، 41 مقعدا برلمانيا في هذه السنة إذا أجريت الانتخابات في موعدها الدستوري، وهذه المقاعد اخذت من عدد الدوائر الانتخابية في الدورة القادمة سيكون لها 50% من عدد المقاعد، فاذا ابتعد ابناء المكون العشائري عن الاحزاب السياسية عمليا يصبحون فاقدين الى 30% من مجموع المقاعد، وعليه فان مشاركتهم السياسية في الحياة الحزبية أصبحت ضرورة من هذا المعيار، ناهيك عن دفعهم لتطوير عملية التحديث السياسي كجزء من المكون الاجتماعي للدولة، ومن هنا نقول أن الحياة الحزبية كنشاطات سياسية تخلق حالة من الرخاء النفسي للفرد ايا كان لانه هو الذي يختار ويقرر من يمثله في البرلمان والحكومة معاً.
هذا وشكلت العشائر الاردنية العامود الفقري للدولة الاردنية منذ التأسيس، وهي القوة الضاربة في الحفاظ على الوطن والدولة ولم تكن يوما إلاّ في صف الدولة ومعها على كل من حاول الاساءة او التآمر عليه، وهم اليوم بعزائمهم وكبريائهم وشيمهم جزء من عملية التحديث السياسي الذي يشكل علامة فارقة في المئوية الثانية للدولة، فلا تعارض بين العشائرية والاحزاب وعلى الجميع ان يفهم ان القطار لا ينتظر احد فالمسيرة في تقدم وعلى الجميع أن يُشارك بفعالية ونشاط للتأثير على المخرجات القادمة، فالمشاركة السياسية هي عمل طوعي وارادي تعطي الفرد القدرة على الاختيار وتجعل منه جزءا مفيدا محققا لمعنى المواطنة القانونية القائمة على الحق والواجب فالكل منا له حقوق عليه ان يمارسها ليس فقط من اجله وانما من اجل تقدم وازدهار الوطن الدولة، والمطلوب منا كذلك الاتجاه نحو دمقرطة العشائر وذلك بالاختيار الصحيح وليس المفروض عليك، وضرورة التنافس الشريف ضمن نطاق العشيرة الواحدة المبني على القيم الديمقراطية القائمة على الحريات والحقوق الاساسية للفرد، ان حالة الوعي السياسي وعملية التحديث معا تدفع الجميع للانخراط في الحياة الحزبية.