مدار الساعة - كتب.. د هايل ودعان الدعجة
لان بلدنا بشخوصه ومؤسساته بات في الفترة الاخيرة تحت تأثير ضغط وسائل التواصل الاجتماعي ، وما تتناقله من اخبار ومعلومات متنوعة ومختلفة ، بصورة غير مسبوقة وغير معهودة على ثقافتنا وقيمنا ، فان حالة الارباك والحيرة التي اخذت تخيم على مشهدنا الوطني بات لها ما يبررها في ظل هذا الانقلاب ( وربما الانفلات ) في الطرح الاعلامي والمعلوماتي غير المعهود ، وان كان ذلك نتاج ثورة اتصالاتية ومعلوماتية لا نعرف لها حدودا . وبدا انها المعيار في الحكم على حضارة الشعوب وثقافتها وتقدمها وتطورها ، شريطة الدخول في تفاصيل هذا المعيار ، اذا ما اردنا الموضوعية في عملية التقييم والحكم على هذه الشعوب المتفاوتة اصلا في درجة تطورها وحضارتها ، حتى قبل هذه الثورة المعلوماتية والاعلامية . فكيف في هذه الأيام التي استباحت فيها هذه الثورة ساحات دول العالم ، دون ان تعيقها حدودا او ثقافات .
واردنيا فقد كان لنا نصيب من هذا التحدي وهذا الواقع الغير معهود ، الذي فرض نفسه على اجنداتنا الوطنية دون استئذان ، وبات حديث الشارع الاردني بكل شخوصه ومكوناته . ولأن مساحة الحرية في بلدنا اوسع من مساحات الكثير من دول المنطقة ، فان من الطبيعي ان نتأثر أكثر من غيرنا بتداعيات هذا المساحة واثارها على كامل منظومتنا المجتمعية دون استثناء ، حتى بات الجميع عرضة لأن يكون مادة ( اعلامية ) تتناقلها وتتقاذفها هذه الامواج الاعلامية العاتية ، وذلك حسب درجة تفاعله مع المجتمع ، والمساحات التي يشغلها في شبكة العلاقات والروابط الاجتماعية فيه . ما جعل من الرسمي والشعبي مشمولا في هذه التغطية الاعلامية ( الاجبارية احيانا ) ، مرة اخرى كل حسب موقعه او حضوره في المشهد الوطني . وان كان الرسمي اكثر عرضة وتأثرا بهذه التغطية ، التي استباحت كل شيء حتى الخصوصيات ، التي اخذت تلقى رواجا كبيرا وعلى مساحة الوطن كله . وذلك دون وجود فلترة وطنية يمكنها ان تميز او تفرق بين الغث والسمين ، او اخضاع ذلك الى مرجعيات اخلاقية او قيمية او حتى التحقق من صحتها ومصادرها . وبدا ان الدولة الاردنية بجانبها الرسمي تحديدا ، امام تحدي فرضته وسائل التواصل ، التي مست مختلف هياكلها ومؤسساتها ومكوناتها ، وجعلتها في دائرة الاستهداف . عزز من ذلك فقدان ثقة المواطن أصلا ، المحرك الفعلي لبوصلة هذه الوسائل ، بهذا الجانب الرسمي بكل تفرعاته ، موجها له سهام نقده الموجع والجارح في بعض الاحيان ، فكلما سقط سهم ، وجد من يحمله ويعيد رميه من جديد على شكل إعادة نشر ، حتى بات كل من له علاقة بالعمل العام ، عرضة للاصابة بهذه السهام ، التي لم يعرف مصدرها ، الذي قد يكون داخليا او خارجيا . ولكن بالنسبة الى البعض ، لا بأس من حمله واعادة رميه ( نشره) ، طالما انه يعزز من فرصة اصابة الهدف الرسمي ، وذلك بغض النظر عن مصدره . حتى اصبحت السياسات والخطط الرسمية وجهودها في الجوانب الاقتصادية ومحاربة الفساد مثلا ، موضع شك من قبل المواطن ، لدرجة افتراضه بانها محاولات لتغطية او تمرير سياسات او افكار اخرى على حساب اوضاعه الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية الصعبة اصلا . ما يجعل من المشهد حافلا بالروايات والاخبار المختلفة ، التي قد تأخذ شكل الاشاعات او المغالطات او المناكفات ، التي يعزز من انتشارها غياب المعلومة الرسمية على شكل رد او توضيح او نفي او تفنيد او تكذيب ، ما يجعل من الضبابية سيدة الموقف ، لأن الجانب الرسمي لم يحسن التعاطي مع هذه الروايات والاخبار ، التي تبدأ تستحوذ على المشهد ، وتتحكم بكافة تفاصيله ، مستغلة الثغرات والاختراقات في جدار المنظومة الوطنية ، بسبب فشل الجانب الرسمي في توفير المعلومة الكفيلة بتحصين الجبهة الداخلية من الاشاعات والتأويلات ، الامر الذي يعكسه الارباك في المشهد الاعلامي الرسمي .
ما يبرر التساؤل عن الدور الذي يجب ان تضطلع به الجهات الرسمية في مواجهة تحدي وسائل التواصل ، وما تبثه من معلومات تستهدفها . وما اذا كانت المصلحة الوطنية تتطلب منها الرد على هذه المعلومات .. ومتى ترد . وما هي حدود هذا الرد وحجمه.. ? ام تترك الامور نهبا لهذه المعلومات ، بطريقة قد تؤدي الى تجاهل هذه الجهات ، لانها لم تحسن التصرف وقراءة تداعيات ما تبثه وسائل التواصل من اخبار ، قد تصبح في لحظة خارج السيطرة ، عندها لن يجدي الوصول الرسمي المتأخر نفعا في التعاطي معها .
ما يجعلنا نطالب مرة اخرى بمرجعية اعلامية رسمية ، تضم في عضويتها ممثلين عن كافة الجهات الرسمية ذات العلاقة ، لتحديد الكيفية التي يتم من خلالها الرد او التعامل مع ما تبثه وتتناقله وسائل التواصل من اخبار تقتضي التدخل والتوضيح ، وذلك قبل ان تستفحل الامور ، وتخرج عن السيطرة ، وتصبح هذه الوسائل بمثابة مرجعيات ومصادر موثوقة لدى معظم الناس . ولنا ان نأخذ العبرة من الردود التي يتطوع بها البعض في المواقع الاخبارية الالكترونية وعلى الجروبات ومنصات التواصل المختلفة على ما يتم تداوله من اخبار ، واثبات وتأكيد انها ملفقة ومفبركة وعارية عن الصحة ، بطريقة تؤدي الى تجاهلها وعدم تداولها مرة اخرى بعد ان اتضحت الحقيقة . فكيف بنا ونحن نلاحظ ما يشبه التطاول على رموز الدولة ورجالاتها ومؤسساتها واجهزتها المختلفة عبر هذه الوسائل ، التي اخذت تهدد نسيجنا الوطني ومنظومتنا القيمية بالخطر .