قبل مئة عام وأكثر، صاغ هذا الوطن حضوره بيقين المشروع العروبي الذي حمل ملوك بني هاشم أمانته، كامتداد لرؤية أوسع على عالمه العربي، وعلى أرضه التقت إرادة الأردنيين الأوائل مع مشروع «النهضة».
وعلى مدار تلك العقود، حاصرتنا صعاب من كل صوب، مع التأسيس، ورغم جور الانتداب وبداياته.. بذلنا لأجل سوريا وثورتها ضد الفرنسيين، ما فرض علينا حصارا مع بواكير السنوات الأولى، ومن أراد أن يستزيد عن أدوارنا وقتذاك، فليقرأ بمذكرات الثوار من السوريين، مثل سلطان الأطرش، وليصغ بسمعه قليلا لأهازيج الأردنيين التي صاغت وجدانهم.
لاحقا، اشتدت الصعاب، واجهنا غربا فلسطين وقضيتها العادلة، فكان جيشنا من أوائل من سن حرابه بوجه عصابات الهاغانا وامثالها، وانتهينا ورغم النكبة بصون جيشنا لمدن الضفة، والقدس، ومن أراد الاستزادة.. فما زال حتى أمس القريب رفاة شهداء جيشنا شاهدة على بسالة جيشنا.
كان لاحقا قرار الوحدة الأردنية الفلسطينية.. إذ كان الأردن هو الدولة الأقرب دما وارضا وجيشا، ذهبنا إلى خيار الوحدة، وتذكر الوثائق والصحف في مطلع الخمسينات كيف حاربنا القريب والبعيد.. رغم أن الأردن أراد صون الأرض والإنسان في فلسطين.
اشتد الضغط لاحقا علينا، ذهبنا إلى خيارات لم نكن جزءا منها بل فرضتها علينا آلة «البروباغاندا» والتحشيد، لم يرد أحد أن يسمع لصوت العقل، فمضينا بالخيار، الذي انتهى إلى مرارة النكسة.. مرة أخرى اثبت هذا الوطن صوابية قراره وصوت العقل، ولكن مرة أخرى اشتدت علينا فكان لاحقا لا بد للعقل ولصون الأردن الدولة والإنسان.
أثبتت الأحداث لاحقا صوابية النظرة الأردنية، ومضينا بخيارات الأشقاء بأن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للاشقاء في فلسطين.
قد يتساءل البعض عن أهمية هذا الاستحضار.. إنه حديث للتأكيد على أن الأردن لم يكن يوما إلا إلى جانب فلسطين ببذل حقيقي وبإيمان مخلص لقيم هذا الوطن.. ولاحقا لم نذهب لاوسلو إلا والأشقاء قبلنا.. حافظنا على حقهم في تقرير المصير.
اليوم، نخوض ادوارا دبلوماسية وادوارا أخرى إنسانية، ويتصدى الملك عبدالله الثاني في عواصم القرار للوبي ليس بالهين في حضوره وتأثيره لوقف مأساة غزة.
ولكننا في كل مرحلة نطالب بالتبرير لتيار، أو لجهة، لتبرير مواقفنا، رغم صدقيتها، في حالة كنا نظن أننا تجاوزناها، فبعض الأصوات دوما ما تدفعنا إلى التساؤل: لماذا الأردن بالذات مطلوب منه تبرير كل موقف له، وكل خطوة، رغم وضوحها، ولماذا يصر البعض على القفز عن كل بذلنا عبر محاولات إضعاف تماسكنا الداخلي، رغم أنه تماسك ليس محل اختبار ابدا، فالاردنيون مؤمنون بوطنهم ومواقف قيادتنا الهاشمية، وهو مبدأ راسخ، رسوخ هذا الوطن العزيز.
إن هذا البلد الكريم حق، وكله حق لأجل فلسطين ولأجل المبدأ العروبي، رغم بعض أصوات نعرفها، وتعرفنا جيدا، فنحن في وطن كريم الشيم والسجايا الهاشمية، وعلى ذات المبدأ منذ تأسس هذا الحمى إلى أن يكون الحق.