مدار الساعة - قالت جماعة عمان لحوارات المستقبل ان القراءة المتمعنة
لمشروع القانون تشير وبكل وضوح الى ان الحكومة غير مدركة تماما لطبيعة التحديات التي تعترضنا كما هي الفرص الكامنة. جاء ذلك في دراسة أعدها الفريق الإقتصادي في جماعة عمان لحورات المستقبل حول مشروع القانون الذي أكدت الدراسة انه يخلو من أي اعتبارات استراتيجية و امنية و خدمية، ويتجاهل تماما التزامات الحكومة تجاه رؤية التحديث الاقتصادي، كما يفتقر الى أي بريق امل بأحداث تحسينات هيكلية على المالية العامة.
وجاء في الدراسة موازنة عام 2024بنيت على فرضيات من أبرزها تحقيق الاقتصاد الوطني لنمو حقيقي بنسبة2.6% وان لا يتجاوز معدل التضخم 2.7%، وان يبلغ عجز الحساب الجاري في ميزان المدفوعات 6.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024. وفي ضوء ذلك قدرت الإيرادات العامة بحوالي 10.3 مليار دينار والنفقات العامة 12.4 مليار دينار والعجز المالي بحوالي 2.1 مليار دينار. وهي فرضيات وتوقعات
تم اعدادها في خضم الاحداث السياسية المحيطة، لكنها لا تختلف كثيرا عن موازنات السنوات السابقة، وهي غير قادرة على وضع اجندتنا المالية والاقتصادية على المسار الصحيح الذي يمكن من خلاله تحريك عجلة النمو الاقتصادي وتوليد فرص العمل وخاصة للشباب الذين ما زالت نسب البطالة بينهم تتعدى 40%. كما ان النمو المقدر في الموازنة، وان تحقق فهو متواضع للغاية ويقل عن المعدل العالمي المستهدف والبالغ 2.9%، وعن المتوسط المستهدف في رؤية التحديث الاقتصادي والمقدر بـ 5.6%، وعن معدل النمو السكاني، الامر الذي يشير الى توقع استمرار تراجع القوة الشرائية للمواطنين وارتفاع معدلات الفقر في المملكة.خاصة وان
المتتبع للموازنات العامة خلال الثلاث سنوات الأخيرة يلاحظ بأن عجز الموازنة العامة في اتساع مضطرد مقارنة بالسنوات التي سبقت جائحة كورونا والمديونية العامة وصلت الى مستوى قياسي يبلغ حاليا حوالي 114% من الناتج المحلي وذلك نتيجة لاقتراض الحكومة أكثر من 10 مليار دينار خلال السنوات الأربع الماضية، ومعدل البطالة يزيد عن 22%.
وأضافت الدراسة
ان موازنة عام 2024 جاءت بعجز مالي غير مسبوق بلغ حوالي 2.1 مليار دينار، يضاف الى ذلك عجز شركة الكهرباء الوطنية وسلطة المياه بحوالي بحوالي850 مليون دينار، وبالتالي فان صافي حجم الاقتراض المتوقع خلال هذا العام سيبلغ حوالي 3 مليار دينار.دون ان تكون هذه الزيادة بالاقتراض لتمويل نفقات استثمارية حقيقية تساعد في وضع اهداف رؤية التحديث الاقتصادي على مسارالإنجازات المستهدفة، بل جاءت لتغطية نفقات جارية في معظمها، فالرؤية استهدفت ضخ الحكومة لاستثمارات إضافية بحوالي 11 مليار دينار خلال عمر تنفيذها، أي بمعدل 1.1 مليار دينار سنويا، لكن مستوى النفقات الرأسمالية خلال اول ثلاث سنوات من إطلاق الرؤية لا يشير الى تخصيص إضافي بهذا المستوى. ان النفقات الرأسمالية في الموازنة عام 2024 وان تضمنت زيادة بحوالي 200 مليون دينار عن السنة السابقة، الا ان حجم المشاريع الجديدة فيها لا تتعدى قيمتها 73 مليون دينار فقط، والمتفحص للنفقات الرأسمالية يلحظ بأن غالبها ذات طبيعة جارية تتكون من رواتب وصيانة وادامة مرافق بحوالي 550 مليون دينار ودعم البلديات بمبلغ 180 مليون دينار وهو في غالبه نفقات رواتب ونفقات جارية أخرى.
وحتى لو افترضنا ان ارتفاع النفقات الرأسمالية في موازنة عام 2024 هدفه تحريك عجلة النمو الاقتصادي كما تشير الحكومة، الا انه ينبغي الإشارة الى ان هناك مادة في قانون الموازنة العامة تتيح للحكومة نقل مخصصات من النفقات الرأسمالية الى الجارية خلال عملية تنفيذ الموازنة، وبالتالي فان عدم كفاية المخصصات المرصودة في بعض البنود الجارية قد يتم تمويلها من النفقات الرأسمالية كما حدث خلال سنوات سابقة، حيث قامت وزارة المالية بتغطية بعض نفقات الدعم الجاري بحوالي 350 مليون دينار من خلال النفقات الرأسمالية.
الحكومة الحالية مسؤولة عن نحو ربع المديونية التاريخية التراكمية للمملكة
___
وجاء في الدراسة
ان ارتفاع المديونية العامة لتصل حاليا الى أكثر من 41 مليار دينار، ما هو الا نتيجة حتمية للتراخي في تنفيذ إصلاحات تضع اقتصادنا الوطني على مسار النمو المستهدف وموازنتنا العامة على مسار الاستقرار المالي المنشود والذي من خلاله يمكننا تجسيد مبدأ الاعتماد على الذات حقيقة على ارض الواقع خاصة في ظل الضغوطات السياسية الخارجية التي تتعرض لها المملكة. ان هذا الاقتراض في معظمه موجه للنفقات الجارية ومنها على سبيل المثال مدفوعات الفائدة التي أصبحت تشكل عبئا حقيقيا بعد ان وصلت الى مستوى 2 مليار دينار في موازنة عام 2024، وهذا المستوى يفوق رواتب العاملين في الجهار الحكومي بأكثر من 100 مليون دينار، وأكثر من ستة اضعاف نفقات الحماية الاجتماعية، ويعادل تقريبا ما تحصله الخزينة من ضرائب الدخل والارباح، وبمعنى آخر فان تحصيلات هذا النوع من الضرائب تذهب فقط لتمويل مدفوعات فائدة القروض.
وهذا الارتفاع في مدفوعات الفائدة هو نتيجة حتمية لارتفاع ارصدة الدين العام وارتفاع أسعار فائدة قروض خلال السنتين الماضيتين، ومن الملاحظ أن وزارة المالية ركزت خلال هاتين السنتين العجاف على الاقتراض طويل الأجل بالرغم من أن جميع المؤشرات تشير الى ان مستويات أسعار الفائدة في الاسواق الدولية ستأخذ منحى هبوطي اعتبارا من عام 2024، مما يشير الى ان تبعات ارتفاع أسعار الفائدة التي تمت خلال السنتين الماضيتين ستبقى عبئا على الموازنة خلال العشر سنوات القادمة حتى وان قام الفيدرالي الأمريكي بخفض أسعار الفائدة وذلك لأن جانب كبير (أكثر من 70%) من قروضنا الخارجية هي بأسعار ثابتة وليست معومة.
وقالت الحكومة ان تظاهر الحكومة على لسان وزير ماليتها في تحقيق إنجازات من خلال إخفاء حقائق دامغة في الموازنة العامة او تبني مؤشرات انتقائية لإظهار هذه الإنجازات له آثار سلبية على مستقبل اقتصادنا الوطني وعلى وضعنا المالي، فالعجز الكلي المعلن في الموازنة يختلف عن العجز الفعلي نتيجة لانتهاج وزارة المالية لأسلوب الصرف خارج الموازنة العامة من خلال السلف والتي وصل رصيدها الى حوالي 6.5 مليار دينار في نهاية عام 2022 وفقا للحساب الختامي وتقرير ديوان المحاسبة، وقد قامت وزارة المالية في ذلك العام بصرف سلف تزيد في محصلتها عن 674 مليون دينار ومنها سلفة لوزير المالية بمبلغ 125 مليون دينار وسلف لوزير الصحة وصل رصيدها الى 192 مليون دينار. وصرف هذه السلف بدون مخصصات هو تهرب من اظهار العجز بقيمته الحقيقية وهو مخالف لنصوص الدستور ومواد قانون الموازنة العامة والنظام المالي. وإذا ما أخذت هذه السلف بعين الاعتبار فان عجز الموازنة الحقيقي يتجاوز 2.2 مليار دينار في عام 2022 بدلا من العجز المعلن 1.5مليار دينار.
بالإضافة الى ذلك فان وزارة المالية تستخدم أسلوبا آخر في اظهار العجز بأقل من قيمته الحقيقية وهو الحصول على السلع او الخدمات بتأجيل دفع قيمتها الى مستحقيها من الموردين، حيث تقدر قيمة هذه المتأخرات بمئات الملايين، ومنها متأخرات لصروح طبية شامخة مثل مؤسسة الحسين للسرطان وبعض المستشفيات الحكومية، وموردين للمشتقات النفطية، ومستثمرين في قطاع الاشغال وغيرها. ويعتبر هذا التأخير أيضا دلالة واضحة على عدم الاكتراث بديمومة عمل أنشطة حيوية وشركات راسخة في القطاع الخاص واشارة سلبية واضحة للمستثمرين بان دعمهم وتحفيزهم ليس من أولويات الحكومة وان المحرك الأساسي للنمو الذي انطلقت منه رؤية التحديث الاقتصادي اصبح بفعل هذه السياسات اصبح هدفا بعيد المنال .
ومن مؤشرات الأداء الأخرى التي ركز عليها خطاب الموازنة العامة للدلالة على تحقيق إنجازات غير حقيقية، هو استخدام مؤشر رصيد الدين بدون الاقتراض من صندوق استثمارات أموال الضمان الاجتماعي، وهذا المؤشر آخذ بالانخفاض نتيجة لتركيز الوزارة على الاقتراض من الصندوق، حيث اقترب رصيد هذا الاقتراض من مستوى 9 مليار دينار، ومن المعلوم ان الاقتراض من الصندوق شئنه شأن الاقتراض من أي مصدر آخر فهو عبء على الموازنة ويتم دفع فوائد عليه بحوالي 500 مليون دينار سنويا. ومن المؤشرات الأخرى المستخدمة في تزيين الوضع المالي هو مؤشر العجز الاولي الذي يستثني مدفوعات الفائدة من النفقات العامة، وهو بالتالي يخفي الارتفاع المضطرد في مدفوعات الفائدة وعبئها المتنامي على الموازنة العامة. فالحكومة تتجاهل تماما مؤشر العجز الكلي كونه يظهر الجانب الحقيقي لواقع الموازنة العامة، مع ادراكها التام بان الارتكاز الى هذا المؤشر التزيني ما هو الا إخفاء للواقع وترحيل التحديات الى الحكومات والاجيال اللاحقة.