أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

الحرية والقيود

مدار الساعة,مقالات مختارة,الأمم المتحدة
مدار الساعة ـ
حجم الخط

لا شك أن الإنسان خلق حرًّا، وأن الحرية حق أساسي وطبيعي من حقوق الإنسان، أي إنسان على وجه الأرض، دون تمييز على أساس العرق أو الجنس أو اللغة أو اللون أو الدين. ونجد هذا الفهم للحرية قد تبلور عند المجتمع الدولي مع صدور العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عن الأمم المتحدة عام 1966م، والذي بدأ نفاذه في 1976م، والذي جاء فيه: (لا يجوز استرقاق أحد، ويحظر الرق، والاتجار بالرقيق بجميع صورهما. لايجوز إخضاع أحد للعبودية. لكل فرد حق في الحرية وفي الأمان على شخصه. لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين. لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة. لكل إنسان حق في حرية التعبير...).

لكن هل هذا الكم من الحريات هنا مطلق دون قيد؟ الجواب: لا، بل هناك قيود نصّ عليها العهد ذاته بقوله: (لا يجوز تقييد الحقوق المذكورة أعلاه بأية قيود غير تلك التي ينص عليها القانون، وتكون ضرورية لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم، وتكون متمشية مع الحقوق الأخرى المعترف بها في هذا العهد).

فهل يمكن أن نجمع بين الحرية والقيود؟ الجواب نعم، وهذا الأمر هو الموافق للفطرة البشرية، كي تنتظم أحوال البشر، ولو سلمنا بحرية مطلقة عن أي قيد، لم يكن لأي قانون أو نظام فائدة تذكر، فالكل يفعل ما يريد وكيف يشاء، فتنقلب حياة البشر إلى غابة يأكل القوي فيها الضعيف، ويعتدي القادر صاحب السلطة والنفوذ على حقوق الآخرين، ويسلبهم حقوقهم وأموالهم، فيرجعوا عبيدا بعد أن كانوا أحرارا، ففكرة الحرية المطلقة للإنسان دون أية قيود، ترجع على ذات الفكرة أي الحرية بالنقض، حيث ستتمتع فئة الأقوياء من الناس بهذه الحرية المطلقة، لكن على حساب الضعفاء الذين سيرجعون عبيدا للأقوياء، فكان لا بدّ من وضع بعض القيود لتتمّ الموازنة بين حق الحرية وباقي الحقوق، للحفاظ على العدالة بين الناس.

لنا أن تخيّل كيف سيكون حال الناس لو كانت الحريات مطلقة عن أي قيد، فرجل يمشي في الشارع يضرب كلّ من تصل يده إليه، وآخر يضايق كل فتاة يراها، وربما اعتدى عليها، وثالث يعطب كل مركبة تقع عيناه عليها، ورابع يمشي عاريا كيوم ولدته أمه في الطريق العام، وخامس يطلق الرصاص على الناس، كل ذلك بحجة الحرية المطلقة، إنها ليست حرية إنها الجنون بعينه، ومن تلبس بحال الحرية المطلقة عن كل قيد، لا بدّ أن ينتهي به الأمر إلى السجن كمجرم، أو إلى مستشفى المجانين كفاقد لعقله.

يطيب لي أن أشبه الحرية بملعب للرياضة، كملعب كرة القدم مثلا، لنا أن نزيد في أبعاده إذا كان للكبار، أو نقلصها إن كان للصغار كي لا يتعبوا، لكن لكل ملعب حدود لا يجوز اللعب خارجها. وهكذا هي الحرية ربما توسعت عند الدول العظمى والمتقدمة والمهتمة بحقوق الإنسان، لكن هناك قوانين تنظمها وبالتالي تقيدها، وإن كان ذلك التقييد في أضيق نطاق. أما الدول غير المتقدمة وغير المهتمة بحقوق الإنسان، فملعب الحريات فيها حدوده ضيقة جدا بسبب كثرة القوانين والأنظمة المفروضة على حريات البشر والمقيدة لها، وهذا الملعب مع ضيقه إلا أنه موجود لا يمكن إلغاؤه، لكن من الممكن مع مرور الزمن أن نوسع من أبعاده أكثر فأكثر، من خلال العمل على إلغاء التقييدات الكثيرة على الحريات، وعندها ستكون اللعبة أكثر متعة وراحة للجميع.

الدستور

مدار الساعة ـ