مدار الساعة - ساور مستويات القرار الأردنية القلق، حيال استمرار "دوامة العنف" في قطاع غزّة منذ إطلاق حركة "حماس" الفلسطينية، في 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري عملية "طوفان الأقصى"، ولم تتوقف اتصالات العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني مع قادة دول عربية وغربية للدعوة إلى "وقف التصعيد" والعودة إلى المسار السياسي، سبقت جميعها زيارة "غير مبرمجة" من وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى عمّان، للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الجمعة.
الموقف الذي يتمسّك به الأردن بدعم القضية الفلسطينية، يتسق مع مواقف عربية موازية، لكن يرى مراقبون سياسيون أردنيون أنه مرشّح للذهاب إلى "خيارات مفتوحة" مع تنامي مخاطر العنف ضد المدنيين في غزة، والتخوّفات من امتداد "الحرب" إلى الضفة الغربية والقدس وحتى المناطق داخل الخط الأخضر وفي الإقليم، ما يثير مخاوف مستقبلية أيضا، من حدوث موجات تهجير إلى الأردن، وانهيار مسار العملية السياسية بالكامل.
وتتفاوت التقديرات السياسية لمحللين، عشية زيارة بلينكن إلى عمّان من النتائج المحتملة للزيارة والتأثير على الموقف الأمريكي الذي وصفوه بـ"المنحاز لإسرائيل"، مع التأكيد على أهمية المواقف التي "سيستمع" لها بلينكن، من العاهل الأردني والرئيس عباس.
وقال وزير الخارجية الأردني الأسبق مروان المعشرّ، لــCNN بالعربية، إن "الحرب على غزّة ستُدخل المنطقة في مرحلة جديدة من الصراع دون أفق قريب للحل، أو حدوث أي انفراجة سياسية" بخلاف حروب وأزمات سابقة، حيث "قادت حرب أكتوبر عام 1973، إلى عملية السلام بين إسرائيل ومصر ( كامب ديفيد)، فيما قادت الانتفاضة الأولى وحرب الخليج الأولى، إلى مؤتمر مدريد للسلام 1991".
وأضاف المعشر أن "الأوضاع اليوم مختلفة، وأن الجميع اليوم يواجه حكومة إسرائيلية عنصرية يمينية، لا تبدي أي استعداد للدخول في أي عملية سلمية"، فيما اعتبر أن الحكومة الفلسطينية في أضعف حالاتها وسط "انشغال" الإدارة الأمريكية بالانتخابات في العام المقبل. وتابع قائلا: "ليس من الواضح أن هذه الازمة ستقود إلى أي عملية سياسية".
ورأى المعشر أن مساعي إسرائيل واضحة في "إلحاق أكبر حجم من الأضرار بشريا وماديا في غزة"، وسط تقارير عن دعوات إلى إقامة "ممر آمن لنقل الفلسطينيين إلى مصر"، وهو ما نفته السلطات الإسرائيلية.
وقال المعشر: "كأننا نتحدث تماما عن نقل حذرنا منه مرارا"، معتبرا أن هذا الخيار يبدو من الخيارات "الجدّية" لدى إسرائيل، وأضاف أن "امتداد الحرب إلى الضفة الغربية أو المناطق المحتلة عام 1948، ستفاقم مخاوف حدوث نقل من مناطق الضفة الغربية إلى الأردن"، مشيرا إلى أن "هذه إحدى الهواجس الأمنية" اليوم.
ورجّح المعشر في حديثه، "طول أمد الحرب في غزة دون حدوث انفراجة قريبة"، في وقت منح فيه الرئيس الأمريكي جو بايدن "الضوء الأخضر" لإسرائيل للدفاع عن نفسها ودون "الحديث بوضوح عن حصار غزة وكأنه "يجيز الانتقام الجماعي"، على حد تعبير المعشر.
وحذر المعشر، من مخاطر "إنكار المجتمع الدولي لجوهر المشكلة ومركزيتها نتيجة احتلال مدته 56 عاما"، وما قال إنه "تجاوُز السلام مع الفلسطينيين و"اختزاله بالاتفاقيات الإبراهيمية". وأضاف: "هذه أسطورة كما تم تصويرها انتهت مع تجاوز عقد سلام مع الفلسطينيين"، داعيا إلى التصدّي "بكل الوسائل المتاحة للحملة الغربية في شيطنة الفلسطينيين"، ومرجحا "وقوع مزيد من العنف وقتل الأبرياء".
وفي خطاب العرش أمام مجلس الأمة الأردني، الثلاثاء، أكد الملك عبدالله الثاني "عدم التخلي عن الدور الأردني" حيال القضية الفلسطينية، محذرا من تقويض استقرار وأمن المنطقة "دون تحقيق السلام الشامل والعادل"، مستخدما عبارة "دوامات القتل التي يدفع ثمنها المدنيون والأبرياء" في غزة.
في الأثناء، تأتي زيارة بلينكن إلى عمّان للقاء الرئيس عباس وسط جهود أردنية، لتستمع الإدارة الأمريكية عن قرب، إلى الموقفين الأردني والفلسطيني حيال تطورات الأوضاع، وتوجيه رسائل مباشرة حول مخاطر استمرار التصعيد، وفقا لمراقبين.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي الأردني حسين الرواشدة، إن "تطورات الحرب على غزة اليوم هي محل نقاش في كل مستويات القرار الأردني وكل الإدارات العامة في البلاد، وإن "خيارات الأردن في الدفاع عن مصالحه وأمنه واستقراره مفتوحة"، سواء أكانت مرتبطة "بتغيير مواقف سياسية ثابتة أو تحالفات قائمة أو تجاوز خطوط حمراء لم يكن من الممكن تجاوزها في الماضي"، في حال انسداد الأفق السياسي.
وأرجع الرواشدة، في حديثه لموقع CNN بالعربية، هذه الاحتمالات إلى استمرار قتل المدنيين في غزة ومخاوف انتقال الحرب إلى "الضفة الغربية" وتصاعد احتمالات حدوث نقل للفلسطينيين إلى الأردن، إضافة إلى "مخاطر توسّع الحرب إقليميا ودخول إيران أو أذرعها إلى الحرب"، وظهور "مخاطر أكبر" على الحدود الشمالية مع سوريا، قد تتمثل "بانتشار مليشيات مدربة" تهدد أمن البلاد.
وتعتبر مساعي المملكة في ممارسة ضغوطها الدبلوماسية، واحدة من الأدوات المتاحة لوقف التصعيد سواء مع واشنطن أو مع العواصم الغربية، وفقا للرواشدة، بما في ذلك فرصة استماع واشنطن للرواية الأردنية والفلسطينية من خلال زيارة بلينكن إلى عمّان والتي لم تكن مدرجة مسبقا.
وفي ظل ترجيحات عن جولة خارجية مرتقبة أيضا للعاهل الأردني الأسبوع المقبل إلى عواصم غربية، يرى الرواشدة أن "المتاح اليوم التحرك دبلوماسيا والضغط على واشنطن والعواصم الغربية بوقف التصعيد"، وقال: "يتمحور الدور الأردني عند المسألة السياسية والدعوة إلى الجلوس على طاولة المفاوضات. لكن إذا تفاقمت الحرب وتجاوزت أيضا حدود غزة يصبح المسار الآخر أردنيا متاحا، على قاعدة لا حلفاء ولا التزام بمواقف ثابتة ولا التزام بالمطروح سابقا".
ولا يبدو أن الوقت قد حان للذهاب إلى هذه الخيارات، كما يرى الرواشدة، في ظل احتمالات امتداد الحرب لأسابيع أخرى قياسا على المواقف الغربية المعلنة للآن.
وحذر العاهل الأردني عشية زيارة بلينكن للبلاد، من انتهاج سياسية "العقاب الجماعي" تجاه سكان قطاع غزّة، خلال لقائه بالرئيس عباس في قصر الحسينية، طبقا لما نقله بيان صادر عن الديوان الملكي الهاشمي.
في الأثناء، يرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية محمد أبو رمان، أن زيارة بلينكن إلى عمّان من شأنها أن "تخفف من حدة الموقف الأمريكي الذي بدا على يمين الموقف الإسرائيلي في البداية"، لافتا إلى تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن، الأربعاء، حول "أهمية مراعاة إسرائيل لقواعد الحرب على قطاع غزة".
وأضاف أبو رمان، في حديث لموقع CNN بالعربية، أن تراجع البيت الأبيض عن تصريح بايدن أيضا حول مزاعم "رؤيته لصور أطفال إسرائيليين قطعت رؤوسهم على يد حماس"، يدعو حتما الأمريكيين إلى "تدقيق مواقفهم".
ويعوّل أبو رمان، الباحث والوزير الأسبق، على نتائج زيارة بلينكن إلى عمّان للقاء العاهل الأردني ووزير خارجية الأردن والرئيس الفلسطيني، وقال: "هناك كلام كثير يمكن قوله للأمريكيين، هم لم يستمعوا إلى الرأي الآخر، ولم ينظروا إلى الجانب الآخر من الصورة".
ولم يخف أبو رمان توقعاته، من تفاقم حالة الغضب في المنطقة في حال استمرار العنف ضد المدنيين في غزة، منوها إلى أن الموقف الأمريكي غير مسبوق في "الانحياز إلى إسرائيل" على صعيد المسارين السياسي والدبلوماسي.
وداخليا، أظهرت السلطات الأردنية مرونة حيال حالة التضامن التي عبرت عنها قوى شعبية وحزبية أردنية خلال الأيام الماضية، بالسماح بتنظيم مسيرات ووقفات احتجاجية في مختلف المدن الأردنية، مع فرض ضوابط تمنع تمدد هذه المسيرات إلى مناطق محاذية للحدود الأردنية مع الجانب الإسرائيلي.