مدار الساعة - دخل الطبيب الشاب عمر بن عبد الله المحرج إلى عالم الكتابة من باب الرواية، فمضت روايته "شدن طبيب" الصادرة حديثاً في عمّان عن "الآن ناشرون وموزعون"، في خطوط متعرجة منذ البداية إلى النهاية ليلتحم مضمونها وشكلها، فأفضت في النهاية لإحساس عميق بقهر الله وغلبته ونفاذ أحكامه رغم وقف الشخوص والمشاعر ضدها. فتغوص الرّواية في أعماق النّفس البشريّة، وتأرجحها بين الشّكّ واليقين، التصديق والتكذيب، الإخلاص والخيانة، والصّمود والانهيار.
أظهر الكاتب قدرة فائقة على الوصف الوثير بجُمَل أنيقة مُنتقاة بعناية، لتضـيء في ذهن القارئ صوراً مسكوتاً عنها، وتترك له الأمر ليرى برؤيته دون تدخُّل في التأويل، وليبقي السؤال يتردد في ذهن القارئ: هل الحب مصدر كل ما هو مؤلم؟ وهل الأنثى، التي نعطيها دوماً رداء القدسية في كل علاقة، هي الذئب فعلاً؟ وأن الرجل ليس إلا حمل وديع؟ وهل الطبيب يشعر بما يشعر به غيره؟ أم إن ما يملكه من معلومات عن الأمراض تقيهِ شرَّ أصحابها؟
ومما جاء على الغلاف الأخير للرواية، ما نصه للدكتور إبراهيم بن عبد الرحمن التركي: "توارى "حمد" ولم يبدُ "جابر"، وانشغلتْ "نوف"، ولم يأبَه "الشيخ" وبقي "خالد" بطلاً دون بطولة؛ يشجو فيشدو، ويغترب ليقترب، وتتخيله صامتاً فيُفصح، ومكتئباً فيبتهج، وحين يسعد يبتئس، ويغيب فيحضر الشخوصُ دون نصوص. أهيَ صورة وعيٍ مُصادَرٍ، وسلطة متصدّرة، وأسئلةٍ يزداد توالدُها، وإجاباتٍ يتعذّرُ تبريرُها، أم هو واقعٌ نحياه، وخيالٌ نفرّ منه، ومعادلةُ حياةٍ لا تدينُ لمن دانَ لها، ولا تدنو لمن يودُّها؟
الطبيب الشاب عمر بن عبد الله المحرج مبدعٌ قادم بثقة ورؤيةٍ مختلفة في نتاجه الأول؛ فللمرأة في روايته السيادةُ في وسطٍ اعتادَ على ظلمها، وللرجل ضعفُه الذي سعى إلى إخفائه، وللحبّ كلماتُه التي تغتاله، وللماء امتزاجُه الذي يرفض فصلَ ذراته، وكذا يبدو "شدنُ طبيبٍ" لم ينفصل عن أمِّه التي اختارت له غدَهُ وتركته وحيداً."
ومما جاء في الرواية:
"...توغّل "حمد" في سـرد التفاصـيل العلمية، في الوقت الذي أطرق فيه "خالد" وكأنه لم ينتظر هذا الردّ، ففهم "حمد" المقصد وأعاد على صديقه السؤال: ما الذي تعلمناه من طب الألم؟
قال "خالد":
- حينما يكبر الشعور بشـيء، تقلّ القدرة على التعبير عنه.. هذا ما تعلّمتُه من "طب الألم".
هزّ "حمد" رأسه وهو يخاطبه:
- كعادتك، تُدخل الفلسفة في كلّ شـيء، ولكن بدأنا نقترب.. ما الذي يؤلمك يا صديقي؟
ردّ "خالد" بتأثّر:
- قلتَ لي ذات مرة، إن من الأشـياء الممتعة في رحلة الطب الشعورَ بأنك ذاهبٌ لشـيء جميل لا تدرك نهاية تفاصـيله، وتذْكر كيف بدأتَ بحب جراحة المخّ والأعصاب وانتهيتَ بالتخصّص في جراحة التجميل!
- نعم!
- والعلاقات الإنسانية كذلك، تبدأ بالسـير على جَمالها ولا تعرف بما ستنتهي إليه الأمور.
- ألم تقل لي ذات مرة، إن تمامَ الحظوظ ليس من طبع الحياة، وإلّا لاستغنى الناس عن الناس!"