أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مناسبات جاهات واعراس الموقف شكوى مستثمر شهادة مجتمع دين ثقافة اخبار خفيفة سياحة الأسرة طقس اليوم

الملف السوري بين الأمن القومي العربي وخطر المشروع الصهيوني

مدار الساعة,مقالات,الملك عبد الله الثاني
مدار الساعة ـ
حجم الخط

إنَّ الدعوة لاستعادة الوحدة والوفاق العربي مردُّها حجم الأخطار التي واجهت الأمة العربية ولم تزل تواجهها خلال المرحلة الحالية، فإذا كان الله قد حباها موقعاً فريداً وثروات هائلة في باطن أرضها وعلى سطحها، فإنَّ ابتلاءها بوجود الكيان الصهيوني وتـفشي الفكر الخوارجي والرافضي قد أهدر ثرواتها، وشكَّل مدخلاً لعدم الاستقرار فيها، عانت منه ولم تزل تعاني معظم البلاد العربية، وقد شكَّل حالة من عدم الاستقرار كان آخرها ما يحدث الآن في الجنوب السوري؛ من هجرات قَـسْرية نتيجة المواجهات بين الجيش السوري وحلفائه ومليشيات قوى عديدة من مختلف أصقاع الدنيا، ممَّا شكَّل عبئًا إضافيًّا على الأردن الذي يعاني – أصلاً- أزمة اقتصادية خانقة، وأزمة نزوح سياسي من أبناء الشعب السوري أثـقـل على البنية التحتية والموارد المالية للدولة، مع نكوص المجتمع الدولي عن تقديم واجباته ودعمه للدولة الأردنية.

وقد أدركت أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية منذ زمن بعيد أنَّ الموقع الجغرافي الذي يتمتع به العالم العربي، ووفرة إمكاناته الاقتصادية الهائلة، وثرواته النفطية، ووزنه الحضاري، ووجود الإسلام فيه كطاقة روحية، يشكل خطراً كبيراً على مصالحهما، ويَحُـدُّ من أطماعهما، ولذلك بذلا جهوداً كبيرة لتحجيم العالم العربي واحتواء أقطاره وإبقاء عناصر التجزئة فيه، والعمل على تفـتيته وجعله هدفاً مستمرًّا لمخططاتهما، وجاء انهيار الاتحاد السوفـييتي عوناً لهما في ذلك، إضافةً إلى انتهاء الحرب الباردة، وتشتُّـت القوى العربية وضعفها، وانتشار الحروب الأهلية والطائفية فيها، وانفجار الأوضاع في سوريا وليبيا واليمن بشكل كامل، وانتشار بعض القلاقل في أجزاء أخرى من الوطن العربي.

ولأنَّ الحال في تبدُّل دائم، فقد بدأت القوى الكبرى بإعادة تشكيل المنطقة والعالم وفق ما يخدم أهدافها ومخططاتها، وكانت فكرة نظام الشرق الأوسط الجديد، والاتحاد من أجل المتوسط في هذا السياق، تعني إعادة هيكلة هذه المنطقة على بنى جديدة، ويقصد بهذا إقامة "نظام التفاعلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي يرتكز على اعتبارات التقارب الجغرافي والتعاون المشترك على مختلف الأصعدة"، بالدرجة نفسها التي تهدف فيها إلى مواجهة مشروع العرب الحضاري المستقل، وإضعاف المرتكزات السياسية والاجتماعية والثقافية للنظام العربي، وذلك من خلال إلغاء المقاطعة للكيان الصهيوني، وتدعيم قدراته السياسية والعسكرية، وفتح الأبواب لإعادة ترتيب التوازنات الإقليمية في المنطقة، بما يضمن دمج الكيان الصهيوني فيها، وإنهاء الصراع العربي الصهيوني، وإقامة علاقات عربية- صهيونية في إطار مشروعات شرق أوسطية مشتركة، ولذلك كان لابد من أن يشمل التغيير سوريا؛ بتفتيتها وبذر الفتنة في أراضيها وصولاً إلى التهجير القسري لأهلها منها، وساعدها في ذلك تحالفات قامت على أساس طائفي في قطر يتبنَّى الفكر القومي، فكانت الفرصة سانحة تماماً لتنفيذ المشروع مع غياب الرؤية الواضحة لدى النظام السوري لحجم المؤامرة في المنطقة، وعجز النظام الرسمي عن احتواء الأزمة.

إنَّ كل المشاريع الغربية في المنطقة بالتحالف مع المشروع الصهيوني ترتكز على أسس سياسية واقتصادية، ولا يشترط فيها توافر هوية ثقافية وحضارية متماثلة؛ لأنَّه يضمُّ قوميات وأجناساً وأدياناً شتَّى، ومن هنا فإنَّ ثـمَّة تناقضاً واضحاً بين المفهومين العربي والغربي لهوية هذه المنطقة المهمة من العالم، وجوهر هذا التمييز هو التركيز العربي على التاريخ والثقافة والقول بوجود أمة عربية ذات مشروع حضاري سياسي متكامل، بينما يركز الغرب على الجغرافية والاقتصاد والاعتبارات الإستراتيجية؛ لتأكيد وجود شرق أوسط جديد كبير يختلط فيه العرب مع غيرهم من الشعوب، والقاسم المشترك للجميع هو الاندماج بالاقتصاد العالمي "اقتصاد السوق"، والسعي باتجاه الإصلاح السياسي والتعليمي والاجتماعي، وهي الأسس ذاتها التي يرتكز عليها المشروع الأمريكي الجديد المعروف بِـ "الشرق الأوسط الجديد"، وهو مشروع صهيوني الفكرة كالاتحاد من أجل المتوسط، فقد كان الفكر الصهيوني العالمي يُـعِـدُّ لمشروع النظام الشرق أوسطي منذ إقامة دولة الكيان الصهيوني في الأربعينيات، ويُعَدُّ الإرهابي شمعون بيريز – رئيس دولة الكيان الصهيوني- أبرز مُـنظِّريه والمُشرِفين على تنفيذه في الوقت الراهن، وقد توافرت لهذا المشروع عوامل التخلُّق والتكوُّن والظروف البيئية التي تحتضنه وتقيم أسسه وهياكله.

وفي ضوء ذلك، يمكن أن نقرأ الإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط؛ بوصفها أهم المداخل لدراسة التحولات الجذرية في المنطقة وتحليلها، فالولايات المتحدة هي الأداة المُسيطِرة على المنطقة، والقوة القابضة على ميزان القوى فيها، والقادرة على ضبط توازناتها، وهي الحامي للكيان الصهيوني، والضامن لاحتكاره السلاح النووي، وإنَّني أرى أنَّ الغرب الاستعماري يتـفـنَّنُ في أساليب السيطرة والتسلُّـط، فإذا ما أعجزه الخيار العسكري والاحتلال كما حدث في العراق، وما لقيه من ضُروب المقاومة في فلسطين ولبنان، لجأ إلى الحِـيَـلِ واختلاق المشاريع على شاكلة ما يسمى بصفة القرن، فما دام الدخول من الباب قد أصبح مكشوفاً، فليكن من الشباك مُمثَّلاً بمشاريع أوروبية وأمريكية وغربية صهيونية، وعلى هذا فلن يكون حساب الربح والخسارة في هذا المزيج من المصالح المتشابكة قائماً على أساس حساب السوق التجارية، بل ستكون المرجعية في ذلك المكاسب الإستراتيجية التي يجنيها شركاء السوق، وهم هنا الكيان الصهيوني والولايات المتحدة وأوروبا.

وثـمَّة تصورات كثيرة لِـما يمكن أن يكون عليه النظام الشرق الأوسطي؛ من حيث تفريعاته ومجالاته وأعضائه، وإذا كان النظام لم يأخذ بعد شكله المُقـنَّن النهائي؛ لأنَّه قيد التكوين، فإنَّ غرضه الأساسي المستمد من الملامح التي رُسِمَتْ له هو إلغاء الهوية العربية، وبعثرة أجزاء الأمة في منظومات جغرافية جديدة يسيطر عليه الكيان الصهيوني، ولاسيَّما من الناحية الأمنية، فهي القوة العسكرية المتفوقة الضاربة ذاتها، والمنفردة بالسلاح النووي، والمستمدة قوتها العسكرية من القوة العسكرية الأميركية، وهي الجهاز الاستخباري المُـتـمرِّس والقادر على الانتشار، والمُتداخِل في شبكات الاستخبارات الأميركية والأطلسية والصهيونية.

ولأنَّ الصراع سيأخذ - مستقبلاً- شكل المواجهة المباشرة واليومية ضد امتداد الغزوة الصهيونية- الانجلوسكسونية، وبأشكال وأنواع جديدة من الامتداد، فإنَّ المواجهة ستنتقل بثقلها وفكرها وفعلها إلى المستوى الشعبي؛ ففيه تكمن قدرة الأمة على المقاومة بجميع أشكالها وأنواعها، وبقدر ما تكون هذه المقاومة واسعة ومنظمة وفعالة، يكون تأثيرها فاعلاً في ترشيد الأنظمة الحاكمة وتصليب عودها؛ من أجل التمسك بثوابت الأمة وهويتها وتماسك أجزائها في إطار كيانها القومي.

أمَّا في الأردن فقد تحقق الوعي المطلوب لدى الشعب الأردني، الذي استمـدَّ هذا الوعي من حكمة جلالة الملك عبد الله الثاني وحِـنكته السياسية في التعامل مع الأحداث كافَّـة على المستويين الداخلي والخارجي، والتي كان آخرها تكليف الدكتور عمر الرزَّاز بتشكيل الحكومة الإصلاحية، ممَّا أضفى على المشروع الإصلاحي الأردني صبغة محلية برؤى عربية وعالمية، تعطي في نهاية المطاف إطاراً إستراتيجيًّا للمملكة الأردنية الهاشمية يضفي وزناً آخر لها إضافة إلى مكانتها الكبيرة بين القوى العالمية.

وللحديث بـقــيَّة ....

مدار الساعة ـ