مع أنني لست من عشاق الكرة ولم أكن عضوا فاعلا في فريق المدرسة الرياضي ولا مشجعا بارزا أو خفيا لأي من النوادي الأردنية التي انقسم الشارع الرياضي المحلي بينها، إلا أنني استدرجت منذ سنوات لمتابعتها والتعرف على أهميتها وتأثيرها ودلالاتها. كان ذلك بسبب انخراط ولدنا باللعبة وانضمامه الى فريق الصغار المدرسي واشتراكه في أحد النوادي بمعدل ثلاثة أيام في الأسبوع. في هذا العام أصبحت أكثر متابعة واهتماما وأصبحت متابعة المباريات إحدى أهم وسائل التفاعل الأسري.
في كل يوم يستعرض عبود جدول المباريات ويخبرنا عن توقعاته للفوز والخسارة وعدد النقاط وأسماء اللاعبين الذين سيسجلون الأهداف وغيرها من التفاصيل التي تدهشنا أحيانا. ومثلما يفعل هو أجازف أحيانا في اختيار بعض الفرق باعتبارها الفرق التي انحاز لها، الأمر الذي يثير استغرابه ويدفعه لسؤالي عن سبب اختياري فرقا مثل كولومبيا وبنما والسنغال والمغرب وتجنبي الدول التي تشمل فرقها لاعبين كبارا كالبرتغال وإنجلترا وفرنسا.
الإجابات التي أقدمها غير مفهومة، فأنا منحاز لفرق العالم الثالث أكثر من حماستي لفرق الدول الصناعية، وللدول العربية أكثر من الدول الأخرى المنافسة أيا كانت جنسيتها أو لون بشرة لاعبيها. على مدرجات موسكو تتجلى مشاعر الوطنية والتعلق بالهوية والعلم والنشيد، فتهوي قلوب الجمهور مع كل ركلة أو هجمة أو صافرة بإيقاع وسرعة تعادل سرعة جريان الكرة بين أقدام اللاعبين.
يراقب الأردنيون والكثير من شعوب العالم التي لم تحظ بشرف المشاركة مجريات المونديال بشيء من المتعة والكثير من التأسي لغياب منتخبات بلدانهم عن هذا الحدث العالمي الكبير. الجميع يعلم أن هناك دولا غنية وفقيرة، صناعية وزراعية، صغيرة وكبيرة، متقدمة ونامية تشارك في هذا المونديال، والجميع يسأل لماذا لم تتأهل بلداننا لهذا الحدث العالمي المهم؟
الدول الفقيرة والغنية الكبيرة ومتناهية الصغر شاركت في هذه التظاهرة الإنسانية الجميلة. المنافسة الشريفة واللعب النظيف وأخلاق الشعوب وهوياتها حاضرة في كرنفال ثقافي حضاري على مرأى من العالم. نيجيريا والسنغال قدمتا صورة جميلة لأفريقيا ودول أميركا اللاتينية كانت حاضرة حضورا طافحا في موسكو. والأوروبيون يتزاحمون على المواقع الأولى في المجموعات التي شاركوا في تصفياتها، في حين كانت الدول العربية المشاركة في عداد أوائل من غادروا المونديال.
في العالم اليوم، لا شيء يجذب اهتمام الشباب والصغار والكهول والنساء كما تفعل كرة القدم. الناس في مشارق الأرض ومغاربها مشدودون لشاشات التلفزة، والصغار يعرفون أسماء الفرق واللاعبين والمعلقين أكثر مما يعرفون أسماء جيرانهم وأقرانهم وأبناء عمومتهم.. نيمار ورونالدو ومحمد صلاح وميسي وسائر اللاعبين الذين ينتمون الى الفرق المشاركة أصبحوا أسماء لا يجهلها أحد ولا يختلف على محبتها والإعجاب بأدائها أحد.
وسط عالم تسوده الخلافات والحروب والمنافسة والوحشية تظهر الرياضة كعامل توفيق وتوحيد. القواعد العادلة التي يطبقها الحكام والمعايير الشفافة التي تحكم الألعاب تعمقان القيم التي يتمنى الناس أن تسود عالمنا. كرة القدم وألعاب المونديال تقدم للعالم أنموذجا من الحاكمية والعدل فشلت في تحقيقه الهيئات الأممية ومجلس الأمن وحوارات الأديان واتفاقيات الحماية التي تتنصل منها الدول التي لا ترى أنها تخدم مصالحها وأطماعها.
الغد