سالم الخزاعلة *
لست من الداعين إلى العودة إلى الوراء، ولكنني أدعو إلى محاولة قراءة التجربة الأردنية الغنية، التي مازالت تظللنا حتى اليوم، ويدلل على ذلك النجاحات التي أسست للأردن الحديث في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والإعمار والبنية التحتية والمشاريع الكبرى، وغيرها.
ولدى عودتي إلى موقع وزارة التخطيط والتعاون الدولي والتي بذلت مجهودات كبيره للحفاظ على الإنجاز والبناء عليه فقد أنشئت وزارة التخطيط في العام 1984 خلفا للمجلس القومي للتخطيط، وتعمل بموجب قانون التخطيط رقم (68) لسنة 1971، وقد تم إعادة تسمية الوزارة لتصبح وزارة التخطيط والتعاون الدولي بتاريخ 25/10/2003 بحيث تعمل بنفس القانون والمهام والواجبات.
ومن المعلوم أن القانون المذكور لم يلغ أو يعدل أو ينص على إنشاء هذه الوزارة، بل تم الاستناد إليه في إنشائها لتقوم بتحقيق أهدافه وتؤدي الواجبات المناطة بالمجلس القومي للتخطيط، ما شكل مخالفة واضحة للدستور من ناحية نفاذ وفعالية قانون التخطيط رقم 68 لسنة1971 والذي نص على انشاء وقيام المجلس القومي للتخطيط فقد احيل الى وزارة التخطيط وبقرار إداري ممارسة مهام هذا المجلس واصبحت خلفا قانونيا له في تجاوز واضح على القواعد التشريعية الدستورية مما اصبح معه القرار الإداري المنشيء لها ذا قوة تنفيذية أعلى من التشريع النافذ من حيث تعطيل انشاء هذا المجلس واحالة اختصاصاته الى وزارة لم تكن هي المقصودة من قبل المشرع ومع ذلك فان المقصود من قراءتي هذه ليس الجانب الدستوري فقد اكون مخطئا وقد يخرج علينا فقيه قانوني فيقول إن الإرادة الملكية السامية كافية للإنشاء أو أن إنشاء الوزارة لا يحتاج إلى قانون وغيرها مما لا أقصده، وبالنتيجه فإن مجلسي النواب والأعيان هما المشرعان المؤتمنان على التشريع قد يكون لهما اجتهاد آخر من حيث حق الإدارة(السلطة التنفيذية) في التعامل مع التشريع النافذ دستوريا واحالة بعض عناصره القانونية إلى جهة إدارية أخرى.
إن ما أنوي الحديث فيه أننا طيلة السنين الماضية ولغايات التخطيط الاستراتيجي في بلادنا على الصعيد الاقتصادي والمالي والتنموي شكلنا العديد من المجالس منها ما يتفق مع الدستور ومنها قد يتجاوز على عناصر التكامل والانسجام والتوازن بين السلطات ومنها ما فسر انه تعد على الولاية العامة للدولة وما بينهما كل ذلك ناجم عن تعدد المراجع، وعدم احترام قواعد العمل المؤسسي الديمقراطي، والشراكة بين القطاع العام والخاص على أسس واضحة وتشريعية، ورغبة البعض من المسؤولين في التفرد في القرار، في غياب الرقابة البرلمانية الدستورية المهنية وادوات الضغط المجتمعية معتمدين على فهم وتقييم يقع خارج اطار المؤسسات الدستورية والديمقراطية أو على مطالب أو توجهات لدى بعض الجهات المانحة والتي لا أمانع في الحوار معها أو قبول أفكارها بما ينسجم مع التصور الموضوعي والمهني الذي تتبناه الأجهزة الوطنية الكفؤة، أو قد يكون ناجما عن إعاقة القوى البيروقراطية التقليدية لعملية الإصلاح، والحاجة إلى التسريع في تبنيه.
لن أخوض في التفاصيل النظرية لإثبات فرضيتي وطروحاتي. بل سأحيل القارئ إلى أهم مكونات قانون التخطيط النافذ المفعول وما تضمنه من آليات لصنع القرار الاستراتيجي، والمؤسسات التي كانت تخطط لبلادنا والتي كانت تحقق عناصر وضوح طريقة انتاج وإعداد السياسات والخطط والبرامج ومشاركة المؤسسات الاقتصادية والتنموية ذات العلاقة في القطاع العام والخاص والخبراء مع وجود (رئيس الوزراء) على رأس هذه البنى المؤسسية، في ظل وجود الأجسام التنفيذية المؤهلة للتنفيذ والمتابعة مع وضوح عناصر المساءلة العامة، ومن أهم العناصر التي سأحيلكم إليها وإن وردت فيها عبارات أو مصطلحات لاتنسجم مع الثقافة السائدة إلا أن دلالاتها واضحة وأهمها؛
اولا: تنبثق فلسفة التخطيط في الأردن حسب المادة (3) من القانون من الدستور الأردني وتتمثل في الإيمان بالله، والإيمان بالقيم الإسلامية، وخاصة ما يتعلق منها بالعدالة الاجتماعية ومنع تسلط رأس المال ومكافحة الاستغلال والاحتكار، والإيمان بكرامة الفرد وإتاحة الفرصة للمبادأة والنشاط الفردي، مع المحافظة على المصلحة العامة للمجتمع، بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر، والإيمان بوحدة الأمة العربية في الوطن العربي الموحد المتكامل اقتصاديا واجتماعيا وبشريا وثقافيا وسياسيا، والإيمان بأن المملكة الأردنية الهاشمية جزء من الوطن العربي وأن الشعب الأردني جزء من الأمة العربية....الخ
ثانيا- ينشأ مجلس يسمى المجلس القومي للتخطيط حسب الماده(4) من القانون ويناط به تحقيق عدة اهداف من بينها؛ إعداد خطط الدولة الطويلة المدى لتنمية المجتمع الأردني وتطويره اقتصاديا واجتماعيا وبشريا وثقافيا في ضوء حاجات، إعداد برامج التنمية الشاملة من اقتصادية واجتماعية وبشرية وثقافية وغيرها، على أن تتضمن هذه البرامج المشاريع التي يرى تنفيذها على مراحل زمنية معينة مع تحديد الأولويات فيما بينها وتقدير تكاليفها المنتظرة وتوضيح نتائجها المتوقعة ووسائل تمويلها، إعداد برامج التنفيذ السنوية للمشاريع التي تقرر ضمن برامج التنمية الشاملة، الإشتراك مع دائرة تنظيم الميزانية العامة في وزارة المالية والتعاون معها في إعداد الميزانية الإنمائية كجزء من الميزانية العامة السنوية للدولة، دراسة حاجات المجتمع الأردني من القوى البشرية المدربة على مختلف المستويات وفي مختلف المهن والخدمات والتخصصات في إطار خطط الدولة للتنمية الشاملة وفي ضوء برامج التنفيذ السنوية، إعداد برامج شاملة طويلة المدى وبرامج قصيرة المدى وبرامج سنوية لتأهيل القوى البشرية المدربة اللازمة وتدريبها في مراحل تتفق مع خطط الدولة للتنمية الشاملة وبرامج التنفيذ السنوية، وإعادة النظر في هذه البرامج وتعديلها في ضوء الظروف السائدة كلما دعت الحاجة... الخ..
ثالثا- ينشأ مجلس يسمى مجلس إدارة المجلس القومي للتخطيط مكون من رئيس الوزراء/ رئيسا، رئيس المجلس القومي للتخطيط/ نائبا للرئيس، وزير المالية/ عضوا، وزير الاقتصاد الوطني/ عضوا، محافظ البنك المركزي/ عضوا، رئيس الجامعة الأردنية/ عضوا، مدير عام الجمعية العلمية الملكية/ عضوا، أمين عام المجلس القومي للتخطيط/ عضوا، رئيس اتحاد الغرف التجارية في الأردن/ عضوا، رئيس غرفة صناعة عمان/ عضوا، وعضوان، من ذوي الكفاءة والخبرة يعينهم مجلس الوزراء وفقا للمادة (7) من هذا القانون، وعلى أن يكون أحدهما من أعضاء مجلس النقابات. يكلف الرئيس أحد مديري المجلس ليقوم بعمل سكرتير مجلس الإدارة. ويسجل السكرتير قرارات جميع الجلسات في سجل خاص يوقع عليه أعضاء مجلس الإدارة.
ج. يجوز دعوة أي موظف أو أي مختص آخر للاشتراك في مناقشات مجلس الإدارة لإبداء رأيه حسب الحاجة، وعلى أن لا يكون لهؤلاء المدعوين حق التصويت فيما يتخذ من قرارات.
د. يجتمع مجلس الإدارة بدعوة من رئيسه مرة كل ثلاثة أشهر على الأقل، وكلما اقتضت الضرورة ذلك.
ه. يكون اجتماع مجلس الإدارة قانونياً إذا حضره ثمانية أعضاء على الأقل، أحدهم الرئيس أو نائبه، وتؤخذ القرارات بأغلبية سبعة أصوات تنظم أمور مجلس الإدارة بنظام خاص.
رابعا - تناط بمجلس الإدارة المهام التالية:-
الموافقة على خطط الدولة وبرامج التنمية الشاملة وبرامج التنفيذ السنوية ومشاريع التنمية بأنواعها التي يعدها المجلس بالتعاون مع المؤسسات الحكومية والخاصة قبل تقديمها إلى مجلس الوزراء لإقرارها.
الموافقة على التعديلات التي يعدها المجلس بالتعاون مع المؤسسات الحكومية والخاصة على خطط الدولة وبرامج التنمية الشاملة وبرامج التنفيذ السنوية ومشاريع التنمية بأنواعها قبل تقديمها إلى مجلس الوزراء لإقرارها.
تقييم خطط الدولة وبرامج التنمية الشاملة وبرامج التنفيذ السنوية ومشاريع التنمية بأنواعها ومتابعتها، وتقييم مستوى الأداء في تنفيذ جميع المشاريع، في ضوء التقارير الدورية التي يقدمها المجلس وفي ضوء أي تقرير يطلبه مجلس الإدارة من المجلس.
خامسا- ينشأ مجلس يسمى مجلس الأمن الاقتصادي على النحو التالي؛ رئيس الوزراء/ رئيساً، وزير المالية/ نائباً للرئيس، وزير الاقتصاد الوطني/ عضواً، محافظ البنك المركزي/ عضواً، رئيس المجلس القومي للتخطيط/ عضواً، أمين عام المجلس/ عضواً، مدير دائرة الميزانية العامة في وزارة المالية/ عضواً.
يقوم مدير دائرة الميزانية العامة بعمل سكرتير هذا المجلس، ويسجل قرارات جميع الجلسات في سجل خاص ويوقع عليه أعضاء مجلس الأمن الاقتصادي.
واترك للقارئ أمر تقدير مستوى الوجاهة في التعامل مع هذا القانون الساري المفعول والمكلف بتفيذه السلطة التنفيذية وفيما اذا كانت المجالس القائمة اليوم للتخطيط والتنمية الاقتصادية وتشجيع الاستثمار والتنسيق بين السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية والاصلاح المالي والاداري والمشاريع الكبرى استطاعت أن تحل محله وتقوم مقامه أو على الأقل أن ننظر إلى التجربة الإدارية الأردنية الرائدة في مرحلة من مراحل تاريخنا ونستذكر الرواد من القاده الكبار الذين عملوا فيها وما زالت آثارهم باقية ودون إنكار لإنجازات الجيل الحاضر من ابناء المؤسسات ومنها وزارة التخطيط والتعاون الدولي. الغد
* وزير سابق