في الأردن، تأتي الحكومات وتذهب من دون الكثير من الضجيج، وفي حالات كثيرة لا تعرف الحكومات لماذا جاءت ولا الأسباب التي أطاحت بها. في هذه المرة يبدو الأمر مختلفا عما سبق، فقد استقالت الحكومة تحت ضغط شعبي وبعد مظاهرات واسعة طالبت برحيلها وسحب مشروع قانون ضريبة الدخل وإعادة النظر في السياسات المالية بما في ذلك معادلة تسعيرة المشتقات النفطية التي أصبحت أحد أسباب إجهادهم المالي، لا سيما وأن البلاد تفتقر الى نظام نقل عام عصري يمكن الركون لخدماته والاعتماد عليها.
اليوم، وعلى غير العادة، ينتظر الناس ببالغ الاهتمام ما يمكن أن تسفر عنه الجهود والمشاورات التي يبذلها الرئيس المكلف وسط مشاعر تتراوح بين التفاؤل الحذر بالنجاح والشكوك المبررة بإمكانية تمكينه من صياغة منهج تجمع عليه القوى الفاعلة والمؤثرة ويساعد المجتمع على الخروج من أزماته السياسية والاقتصادية والإدارية المركبة وسط غياب الثقة بين الجمهور الأردني ومؤسساته المختلفة.
المتفائلون يبنون توقعاتهم على مؤهلات الرجل وخلفيته الاجتماعية وسيرته التعليمية والمهنية وما حققه من نجاح في تخفيف التوتر والاحتقان الذي تولد في قطاع التربية والتعليم إبان ولاية سلفه في الوزارة، أما من يشككون في إمكانية تحقيقه النجاح في إحداث الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري وبناء العلاقة التشاركية التي وجه بها كتاب التكليف الملكي، فيستندون على عمق وجدية التحديات التي تقف في وجه الإصلاح وتعدد القوى المؤثرة على الواقع وإمكانية مقاومة هذه القوى والجماعات لأي جهود في هذا الاتجاه.
الشارع الأردني الذي أوقف احتجاجاته حرصا على استقرار البلاد ورغبة في إعطاء الرئيس المكلف فرصة التفكير والتواصل والعمل على إنجاز مهماته بعيدا عن الضغوط، يتوقع أن يظهر الرئيس مهاراته الفكرية والسياسية ويوظف مخزون الثقة في إيجاد صيغة ترمم العلاقة بين الشارع والمؤسسات وتخرج البلاد من حالة الصدمة فتفعل القوانين وتعالج الاختلالات وتحقق الإصلاح وتضع الجميع أمام مسؤولياتهم.
بالرغم من المؤهلات التي يحملها الرئيس المكلف والصورة الإيجابية التي يحملها الشارع له والترحيب الذي عبرت عنه بعض الأوساط، إلا أن البعض ما يزال غير متيقن فيما اذا كان اختيار الدكتور الرزاز لإدارة المرحلة مناسبا، وإذا ما كان بمقدوره تلبية طموحات الأمة التي ضاقت بالسياسات الاقتصادية ومسلسل الأسعار والإدمان على الاقتراض واستسهال تمرير التشريعات والقرارات التي أثقلت كاهل المواطن ودفعت به للإضراب والتظاهر والتهديد بالتصعيد اذا ما استمرت الحكومات على هذا النهج.
بعض المشككين يرون أن الرئيس عضو بارز في الحكومة التي مررت مشروع القانون وخبير قديم في البنك الدولي وواحد من الخبراء الذين عملوا على صياغة استراتيجية التشغيل وقانون الضمان الاجتماعي ومراجعة التخاصية وغيرها من السياسات التي لم تفلح في إخراج البلاد من أزماتها.
مهما تكن الآراء، فإن الإيجابية التي يتحلى بها الرجل والشجاعة التي مكنته من قبول التحدي في أكثر المراحل دقة وصعوبة، عوامل مهمة وأساسية في وصفة النجاح التي لا تكتمل من دون إثبات القدرة على الفهم الشامل والدقيق لما يتوقعه المواطن وإدراك الرئيس المكلف المخاوف التي تهدد شعور الناس بالطمأنينة وتدفعهم لتجاوز كل المؤسسات دفاعا عن حقهم في العيش الكريم والعدالة والاحترام لعقولهم.
التصريحات التي صدرت عن الرئيس المكلف حافظت على مستوى مقبول من التواصل، لكنها لم تقدم للناس شيئا عما يفكر به الرئيس من حيث الأولويات والمشكلات والخيارات والتحديات وكيفية تعامله معها.
الأسئلة التي ما تزال في أذهان الناس وستؤثر على علاقتهم بالحكومة تتمثل في: هل بإمكان الرئيس وفريقه صياغة أولويات تتطابق مع هموم الشعب؟ وهل ينجح الرئيس في اختيار فريقه بعيدا عن التأثير والتجاذبات التي تفرضها القوى الأخرى؟ وهل بإمكان الرئيس تقديم تصور للنهوض الوطني يشارك به الجميع ويحقق نتائج تعيد للمواطنين الأمل؟ وهل سيتغلب الرئيس على التدخلات التي غالبا ما تشتت الموارد وتعيق الخطط؟
الغد