في قرانا وباديتنا ومخيماتنا آلاف الرجال والنساء الذين يتابعون بشغف ووعي كل ما يجري على الصعد المحلية والإقليمية والعالمية. بعض هؤلاء الأشخاص يرصدون الأخبار ويدققون في المحتوى ويميزون الأخبار الصادقة من المضللة. البعض من أبناء مجتمعاتنا المحلية يقيمون الكتاب والمحللين والأشخاص الذين يظهرون على شاشات التلفزيون والمحطات الإخبارية العربية والغربية. الكثير من الآراء والكتابات والتعليقات التي تظهر عبر وسائل الاتصال الرسمي والاجتماعي يجري تحليلها وتصنيفها من قبل المتابعين الأكثر وعيا وقدرة على التمييز.
الشيخ أبو زيدان واحد من هؤلاء المهتمين، فهو رجل في منتصف الستينيات من العمر، يملك صحة وعزيمة وشخصية تبعث على الثقة والاحترام. بالرغم من أنه يسكن في إحدى القرى البعيدة عن العاصمة ويعمل في قطاع الإنشاءات الزراعية، إلا أن ذلك لم يحد من اهتمامه بما يجري في العاصمة ومختلف العواصم العربية والعالمية. فهو يتابع بشغف وحماس كبيرين كل ما يجري على الساحة المحلية من أحداث ويميز بين ما هو معقول وما يجري تداوله من قبل الهواة وطالبي الشهرة ومحترفي التلميع والتنكيل على وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المحطات والمواقع الإخبارية.
مثل غالبية القراء والمستمعين هذه الأيام، يحرص صديقنا على التدقيق في كل ما يسمع أو يقرأ وتمحيص المحتوى. فهو يدرك أن بعض الأخبار والقصص مفبركة لأغراض إثارة الشغب وتشويش الناس ويعلم أن بعضها الآخر يجري إنتاجها وبثها بمواقيت وصيغ لخدمة أغراض وغايات محددة.
الكثير من الناس يهتمون بما وراء الأخبار والقصص أكثر من اهتمامهم بالمحتوى، فبعض القصص متناقضة وبعضها ينتج للتعتيم على ما يدور من أحداث أو لتوجيه الناس نحو قضايا هامشية تبعدهم عن أخرى أكثر أهمية، كما يدركون أن للنشر غايات يتحكم فيها المصدر والوسيلة أكثر مما تحددها نوعية الخبر وحق المواطن والمتلقي في الحصول على المعلومة الدقيقة من مصادر غير منحازة.
خلال الأسابيع الأولى من هذا العام، التقيت أبو زيدان لأول مرة، وتحدثت معه عن الكثير من القضايا التي تشغل الشارع الأردني بما في ذلك الأزمة الاقتصادية والأسعار والفساد والعلاقات الأردنية مع الجيران العرب وغير العرب. في العديد من حواراتنا كنت أفضل الاستماع الى هذا الرجل الذي أدهشني بمستوى الوعي والاطلاع والمتابعة، هذه الصفات التي لا تتناقض مع تقديره الوقت والتزامه بساعات العمل، فهو يحضر يوميا وبلا انقطاع قبل السابعة صباحا وينهي عمله اليومي بعد مغيب الشمس.
الرجل الذي عرف تضاريس البلاد واختبر قساوة الحجارة وامتهن تفتيتها وإعادة ترتيبها على هيئة أسوار وسلاسل حجرية تثير الإعجاب وتسمح بتوسيع الرقعة الزراعية، يحمل في صدره الكثير من الهموم ويبدي قلقا مشروعا على مستقبل الأجيال في محيط متغير. الصديق أبو زيدان لا يخفي تعلقه بالأرض وإعجابه بالأوائل الذين استطاعوا، وبالرغم من بدائية الأدوات والوسائل المتاحة، أن ينتجوا خبزهم ويستخرجوا مياههم ويشيدوا بيوتهم.
الأسئلة التي يطرحها أبو زيدان حول واقع الاقتصاد وسلامة الإدارة ومدى ملاءمة السياسات وجدوى دعوات الإصلاح ومصير القضايا التي تقلق الناس، تحتاج الى الكثير من المعلومات التي لا أحد يملكها أو يستطيع الحصول عليها.
في جولة لي بصحبة الصديق أبو زيدان، علق على الحفر والأخاديد التي أحدثها أهالي القرى في الشوارع خلال محاولاتهم إيصال الماء الى بيوتهم، بالقول "الناس لا يدركون أن الخدمات لن تعود لما كانت عليه... وأن كل حفرة في الشارع قد تتحول الى مظهر أبدي".
الغد