مدار الساعة - كتب .. مهند مبيضين
أعلن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أخيراً، نتائج استطلاع النسخة الخامسة من "المؤشر العربي 2017/ 2018"، وكانت عيناته من أحد عشر بلدا عربيا، أحدها الأردن الذي جرى الاستطلاع فيه في شهر مارس/ آذار الماضي، على عينة من 1808 مستجيبين من المجموع العام للمستجيبن عربياً (نحو تسعة عشر ألفاً). وعكست صورة الأردن في نتائجه ظروفاً اقتصادية ومعاشية صعبة، فأولويات الناس تحدّدت في المعاش اليومي وضرروة تحسين مستوى الدخل، وبناء اقتصاد أفضل والحدّ من البطالة. كما أظهرت معطيات المؤشر ميلاً أكبر إلى التركيز على نقد المؤسسة البرلمانية، كونها من مخرجات الشعب، مع الـتأكيد على الثقة الكبيرة بمؤسسة الجيش، وجهاز المخابرات العامة بدرجة ثانية، وبدرجة أقل الشرطة أو قوات الأمن العام. ويبدو أن تركيز الأردنيين على الألويات الاقتصادية مماثل للعينة العامة عربيا في المؤشر، والتي اختار 33% منها التركيز على الأولويات الاقتصادية. وبدرجة ثانية في سلم الأولويات، جاءت الهجرة إلى الخارج لتحسين الظروف الحياتية وبنسبة 26%. بيد أنه لا يجب الركون للثقة بالمؤسسات الأمنية حلا للوضع الاقتصادي الذي كلما ازداد سوءاً تضاعفت تحديات الأجهزة الأمنية أكثر.
وسط هذا الجو المشحون سياسياً، والموجع اقتصادياً، لم يكن المواطن الأردني بعيداً عن محيطه القومي في المؤشرات التي استجاب فيها الأردنيون لأسئلة المؤشر، والذي عاين سبعة محاور أساسية، عالجت قضايا تقييم الأوضاع العامة لمواطني المنطقة العربية، والثقة بالمؤسسات الرئيسة في البلدان العربية، والرأي العامّ العربي والديمقراطية، ثمّ المشاركة السياسية والمدنية، والسؤال عن دور الدين في الحياة العامة والحياة السياسية، وقياس اتجاهات الرأي العامّ العربي عن المحيط العربي، من حيث الروابط بين السكان والدول الأكثر تهديداً للأمن العربي، وأخيرا بحث المحور السابع اتجاهات الرأي العام نحو تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لكون هذا التنظيم اعتبر ظاهرة شكلت تحدياً عاماً للأمن العربي.
"من حيث نظرة الأردنيين إلى مستويات الأمن الوطني والشخصي، فالأرقام مريحة، وتعكس ثقة كبيرة بالبلد والحكم"
في هذا السياق المتشابك من حيث المحاور الدقيقة، التي اختار المؤشر توجيه الأسئلة فيها إلى العينة المستطلعة، ظهرت جملة مؤشرات أردنية، تستحق التوقف عند نتائجها، حيث جاء الأردنيون في الترتيب الرابع في مزاولة حريتهم بنقد الحكومة في المقياس المحدد من (1 - 10)، وبلغت درجة النقد عندهم (6.1)، وهي درجة تتساوى مع مواطني الكويت، وبعد لبنان وتونس والعراق من حيث الترتيب.
أما عن العوامل الأساسية التي تدفع الأردنيين إلى الهجرة، فإن 98% أجابوا بأنها نتيجة الظروف الاقتصادية، واعتبر 4% أن أسباب التفكير بالهجرة سياسية. وعن علاقة الأردنيين بجوارهم من حيث الأمن، فإن أكثر الدول تهديداً لأمن وطنهم هي إسرائيل، وبنسبة 39%، وتليها الولايات المتحدة بنسبة 12% ومن ثمّ إيران بنسبة 8%، ويرى 6% أن مصادر التهديد للأمن الوطني تعود إلى دول إقليمية. ويُلاحظ أن الترتيب لم يتغير كثيراً أردنياً في هذا المؤشر من العام 2012، فإسرائيل هي العدو الأول، لأنها عند نحو 67% من الأردنيين دولة استعمار واستيطان.
أما عن "داعش"، فبالإجابة على عناصر قوة التنظيم، أعطت نسبة 19% إعلانه الخلافة في مقدمة عناصر القوة، وتلا ذلك الالتزام بالمبادئ الإسلامية بنسبة 18%، والدفاع عن أهل السنة بنسبة 8%، وبشكل مماثل النظرة إلى الإنجازات العسكرية. ويبدو هذا الأمر مقلقا جداً، ويشفُّ عن ثقافةٍ ترى أن "داعش" حقق منجزاً في تبني فكرة إحياء الخلافة الإسلامية. ولا ينفصل السؤال عن عناصر قوة "داعش" عن أسباب الالتحاق بالتنظيم من وجهة نظر أردنية، فهناك 35% عللوا أسباب الانضمام إليه بظروف اقتصادية من فقر وبطالة، و44% رأوا أنه لأسباب تتعلق بداخل بلدهم، وهناك 25% يرون أن الالتحاق بداعش نتيجة الدعاية الإعلامية والحرب النفسية وغسيل الأدمغة.
ومن حيث نظرة الأردنيين إلى مستويات الأمن الوطني والشخصي، فالأرقام مريحة، وتعكس ثقة كبيرة بالبلد والحكم وقدرته على تجنيب المواطن مسألة القلق في هذا البند، فالأردن يعد الثاني عربياً في سؤال مدى نسبة الأمن في مناطق السكن، حيث أفاد 44% بأنهم يشعرون بمستوى جيد جداً من الأمان، وهناك 47% يرونه جيدا. وهنا يمكن القول إن الشعور بالأمان في مناطق السكن اتفق مع نتيجة السؤال عن الثقة بالمؤسسات الأمنية، والتي ظهر أنها تحوز ثقة عالية في المجتمع الأردني، حيث أفاد 80% بأنهم يثقون بمؤسسة الجيش بدرجة كبيرة، وحلت المخابرات العامة بنسبة 72%. أما الشرطة (أو الأمن العام) فحازت 61%، أي أنه في أقل مستويات الثقة من وجهة نظر الأردنيين، وذلك نتيجة أن قوى الأمن ذات تماسّ مباشر مع الناس، وتظهر أخطاؤها في الممارسة، وظهرت فجوات وأخطاء في جهاز الأمن العام في فترة الاستطلاع. وكانت هناك أحداث متكررة لعمليات سطو على بنوك، وأخطاء فردية لمنسوبي الجهاز، وهو ما يسهم بتقلبل مستويات الثقة بها. وفي السؤال عن الثقة بمؤسسة القضاء، أعطى 31% ثقتهم الكبيرة، و46% إلى حد ما.
أما صورة مجلس النواب (أو السلطة التشريعية) رقمياً، فهي الأسوأ في مقياس الثقة في المؤشر، فـ3% يثقون بالمؤسسة التشريعية بدرجة كبيرة، و16% يثقون بها إلى حدٍ ما، و66% أجابوا بعدم الثقة اطلاقاً بمجلس النواب، وهو ما يعكس مزاجاً وشعوراً شعبياً بفشل المجلس في القيام بمهامه وتلاشي ثقة الناخبين فيه. وهذا المؤشر بانعدام الثقة أردنياً بالمؤسسة التشريعة غير بعيد عن مقياس الثقة بالأحزاب، حيث إن 62% لا يولون ثقةً بالأحزاب السياسية. وعن رؤية الأردنيين للخدمات الأساسية التي تقدمها الحكومة، فإن 18% يرونها جيدة جداً، و38% جيدة، و12% وصفوها بالسيئة، و21% اعتبروها سيئة جداً، وتتفق هذه المؤشرات مع الإجابات الأردنية عن الأوضاع الاقتصادية، إذ حدّد 25% الأوضاع الاقتصادية أهم مشكلة تواجه البلد، وجاءت البطالة بنسبة 19%، وهناك 28% من المستجيبين قالوا بمشكلة ارتفاع الأسعار والغلاء، و14% حددوا الفقر ومستوى المعيشة أهم مشكلات البلد. أما عن أساليب مواجهة الفقر والقدرات الاقتصادية، فإن 47% يستدينون من الأقارب والمعارف و28% يقترضون من البنوك و10% يعتمدون على المعونات.
"الصورة الرقمية للأردن تصوّر البلد بأنه محافظ سياسياً ودينياً، وأمْيَل إلى الحفاظ على الاستقرار السياسي والأمني"
الأرقام الأردنية في المؤشر العربي مزعجة أيضاً في تراجع حالة الحريات، فـ49% يرون أن أهم شروط الديمقراطية ضمان الحريات، ومعنى هذا أن الحريات تتراجع في الأردن أو لم تبلغ درجة النجاح، وهو أمر يتسق مع التشريعات الناظمة للحريات والمقيدة لها، وهو ما يتفق مع نتائج الأسئلة التي عالجت محور الديمقراطية وشروطها وممارستها وطبيعة النظام الديمقراطي، وقدرته على تغيير الأوضاع العامة، أو في تعارضه مع الإسلام. وهنا ينبغي التوقف عند سؤال القابلية للنظام الديمقراطي، فقد أجاب 42% من الأردنيين بأن البلد غير مهيأ للنظام الديمقراطي، في حين أن 28% يرونه أفضل من غيره مهما كانت مشكلاته.
وعن وسائل التواصل الاجتماعي، أجاب 46% من الأردنيين بأنهم يستخدمونها يومياً في متابعة الأحداث، و19% أفادوا بأنهم يستخدمونها أسبوعياً، و67% لا يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي في التعبير عن أحداث سياسية، و69% لا يتفاعلون معها ولا يستخدمونها. وهناك 73% من الأردنيين لا يتعاملون مع مواقع التواصل الاجتماعي التابعة لمواقع إخبارية وقنوات فضائية.
وعن الشروط اللازمة لوصف شخص ما بأنه متدين، فإن 31% اعتبروا أن إقامة الفروض والعبادات هي المحدّد الرئيس لصفة التدين لأي فرد. كما أن 30% يرون أنه ليس من حق أي جهةٍ تكفير من يحمل وجهة نظر مخالفة في تفسير الدين. وفي مجال التعامل مع الآخرين، فإن 29% من الأردنيين يفضلون التعامل مع أشخاصٍ متدينيّن. وعن الانتماء العائلي والمدني، 7% من الأردنيين المنتسبين لجمعيات مدنية وتطوعية، وهناك 13% ينتسبون لجمعيات وروابط عشائرية.
في مقاربة أرقام المؤشر العربي للواقع الأردني، يمكن القول إن الصورة الرقمية للأردن تصوّر البلد بأنه محافظ سياسياً ودينياً، وأمْيَل إلى الحفاظ على الاستقرار السياسي والأمني، لكن الظروف الاقتصادية سيئة. وتعكس الأرقام فجوة كبيرة بالثقة، وتراجعاً في شروط المواطنة، وهذا للأسف واقع ينذر بالأسوأ، في ظل غياب الثقة وتراجعها أيضا بالأداء الحكومي، والقدرة على مواجهة التحديات المعاشية، فالفقر في ارتفاع، والرتق ازداد اتساعاً، وهو واقعٌ ينذر بتحرّك الكتلة الصامته جرّاء الجوع والفقر، وتراجع القدرة على العيش باحترام. وخلاصة القول: نحن أمام أرقام مرعبة أردنياً، إذا أمعنا التحليل والربط والتفسير.
العربي الجديد