أخبار الأردن اقتصاديات خليجيات دوليات مغاربيات برلمانيات جامعات وفيات وظائف للأردنيين رياضة أحزاب مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية الموقف شهادة مناسبات جاهات واعراس مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

بطيخة تتدحرج في الشارع

مدار الساعة,مقالات مختارة,عيد الأم,جامعة اليرموك,مكافحة الفساد
مدار الساعة ـ
حجم الخط

هل لدينا أخبار جديدة؟ بالطبع نعم والا لما خرجت علينا الصحف ووسائل الاعلام الاخرى بطبعاتها ونشراتها على مدار اليوم ، لكن المؤكد أن هذه الاخبار - في معظمها - اجرائية وفنية ، أخبار تسيير أعمال إن شئت الدقة ، المسؤولون يتفقدون أعمال مؤسساتهم كالعادة ، المواطنون يشكون من ارتفاع الاسعار، وبعظهم يعتصم احتجاجا ، آخرون يعانون من نقص الخدمات او عدم توفرها كالعادة ، ويناشدون المسؤولين - كالعادة طبعا -بمعاينة واقعهم وحل مشكلاتهم، الخبراء الاقتصاديون يحذرون من تداعيات الانكماش الاقتصادي والاعتماد على جيب المواطن ومن المديونية وعجز الموازنة - هل اقول كالعادة ايضاَ - ؟ ثمة اخبار عربية مفجعة: اقتراب موعد نقل السفارة الامريكية للقدس ،الحرب في سوريا واليمن والعراق ..، انتخابات لبنان ، هل هذه جديدة ايضاً؟.

كلها أخبار تسيير اعمال: على صعيد الأمة لم يعد ثمة خبر يثير الدهشة والاهتمام ، الناس الذين كانت تدفعهم مثل هذه الاخبار للغضب ، معظمهم ماتوا ، وبعدهم ماتت السياسة ، الدنيا تحولت الى بطيخة كبيرة كما تصورها الدكتور احمد الزعبي في قصته التي درسناها ايام كنا نتعلم في جامعة اليرموك ، البطيخة تتدحرج في الشارع والناس يركضون خلفها ، انهم مشغولون بمصالحهم وهمومهم فقط ، ولهذا فأخبار “الرغيف “ وما يفرزه من اعتصامات واضرابات يطالب اصحابها بحقوقهم وتحسين رواتبهم ومكافحة الفساد الذي استحوذ على ارزاقهم هو العنوان الوحيد لحركة الناس ، الاحزاب والقوى السياسية استقالت ايضاً ، هل كانت الاستقالة من السياسة الشرط الاول لاشهار ميلادها؟ المجتمع الذي كان يعتمد على نفسه ، يزرع ويعمل ويأكل من تعبه ، استقال ايضاً وأصبح مشغولاً بأخبار البورصة واجراءات الحكومة التقشفية ومخصصات الدعم الاجتماعي.

هل ينتظر الناس خبراً كبيراً يمكن ان يثير اهتمامهم؟ زمان كانت اخبار مثل تعديل الحكومات او تغييرها ، محاكمة المسؤولين او عزلهم ، حوادث السير التي تخلف وراءها عشرات الضحايا ، الحروب والتفجيرات والاعمال الارهابية ، طوابير المشردين والمهجرين ، توقعات حدوث زلزال ، انقطاع المطر لسنوات طويلة ، تشغيل الجميع ، وتفتح سلسة طويلة من الاحاديث لرواد المجالس والصالونات ، الآن تغيرت الصورة ، لم يعد ثمة ما يثير الدهشة او الاستغراب ، ولا حتى الخوف ، هل يفعل غياب السياسة كل هذه الافاعيل ، هل نحن سعيدون بغياب الناس عن قضاياهم ، هل تراجعت قيمنا الانسانية ( دعك من مشتركاتنا العربية والاسلامية والوطنية) الى هذا الحد ، واصبح شعار الانسان الصمت والقبول والاستسلام لليأس ، او همّ المواطن الوحيد المطالبة بتحسين ظروفه المعيشية فقط ، ماذا عن هموم الوطن الكبرى .. هل غابت كما حدث لهموم الامة ايضا.

الاخبار في العادة تفصح عن حيوية المجتمع ، عن عافيته وقدرته على الابداع ، عن الصحة النفسية والاجتماعية والسياسية التي يتمتع بها الناس ، وحين يصبح الروتين حاكماً لحياتهم ، ومعياراً لواقعهم ، تتحول سجالاتهم وأخبارهم الى مجرد روتين ، ويبدو السؤال عن التجديد والجديد مشروعاً بامتياز ، فما هو الجديد الذي يمكن ان يشغل الناس الذين هربوا للانشغال بالوهم والنميمة ، او بتصفية الحسابات بمنطق منزوع من الاخلاق او استقالوا حتى من الانشغال بأي انشغال؟،لا اعرف.

الدستور

مدار الساعة ـ