تناولت في المقالين السابقين, جوانب من دلالات الحديث الهام الذي تحدثت به المسؤول الأردني رفيع المستوى لجماعة عمان لحوارات المستقبل, حول مجمل أوضاع في منطقة الشرق الأوسط وتأثيرها على الأردن, وأشرت في المقالين إلى بعض الأدوات التي استخدمها جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين, ليجنب الأردن أتون الفوضى والدمار الذي يعصف بالمنطقة, وأول ذلك قدرة جلالته على استشراف المستقبل, ثم قدرته على خلق علاقات متوازنة مع جميع الأطراف خاصة القوتين الأكبر عالميين, أعني بهما الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا, دون إهمال لسائر القوى العالمية والإقليمية, ودون الدخول في لعبة الاستقطابات وحرب المحاور, وهذه تحتاج إلى عبقرية في السياسة, وقدرة في بناء العلاقات المتوازن, مثلما تحتاج إلى وضوح في الرؤيا, ووضوح في الموقف, والصدق مع الجميع, وهو ما وفره جلالة الملك للأردن.
لم يتوقف جهد جلالة الملك عبدالله الثاني عند حدود ما ذكرته في المقالين السابقين, على أهميته وتأثيره وعظمته, لكن جلالته زاد على ذلك عندما رفض تدخل أي جهة في الشأن الداخلي للأردن خاصة في مجال التأثير على قراراته الإستراتيجية, ومواقفه الثابتة والمبدئية, رغم كل الضغوط الضخمة التي تعرض لها الأردن, وهذا ما يفسر لنا عدم إنجرار الأردن إلى الأتون السوري, وقبله الأتون العراقي, وهذا أيضاً ما يفسر لنا الموقف الأردني الصلب والرافض لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة .
ومثلما رفض الأردن التدخل في شؤونه الداخلية, والتأثير على قراراته الاستراتيجية, ومواقفه المبدئية, فقد رفض هو التدخل في شؤون الآخرين الداخلية حتى عندما تلقى دعوات من أكثر من جهة للتدخل, كوسيط عادل ونزيه, وبدلاً من أن يتدخل الأردن في شؤون الآخرين سعى لإصلاح ذات البين بينهم, دون أن ينحاز إلى فريق دون فريق, أو يؤلب فريق على فريق, أو يدعم فصيل ضد فصيل آخر, كما هو في الحالة العراقية وغيرها, على العكس من ذلك كله, فقد ظل الأردن يدعو الجميع إلى عدم التدخل في شؤون دول المنطقة, وإعطاء شعوبها حق تقرير مصيرها وشكل النظم السياسية التي ترتضيها لنفسها, فالتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة مرفوض أردنياً, سواء كان هذا التدخل من قوى إقليمية أو دولية.
Bilal.tall@yahoo.com
الرأي