استعرضت في مقالي السابق , حول الشباب ودورهم في التغير , محورين من المحاور التي بنت عليها جماعة عمان لحوارات المستقبل واحد من برامج عملها الجديدة هو برنامج ( الشباب ودورهم في التغير)، الذي يأتي في إطار سعي الجماعة للمساهمة في معالجة قضايا المجتمع الأردني بصورة متكاملة , تحقيقاً لمبدأ الإصلاح الشامل , والتنمية المستدامة , التي تبني مستقبلاً أفضل , ولأن الشباب هم كل المستقبل , كان لابد من أن يحتلوا مكانة متميزة في خطط وبرامج جماعة عمان لحوارات المستقبل , وفرق عملها التي أنجزت مشروعاً للحوار الوطني مع الشباب , وعن الشباب ودورهم في إحداث التغير المنشود.
المحوران اللذان استعرضتهما في المقال السابق من المحاور التي لابد أن يُحدث فيها الشباب تغيراً , هما محور المشاركة الفاعلة في الحياة العامة في بلدنا. اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً , وارتباطاً بالمشاركة الاقتصادية جاء المحور الثاني والمتعلق بأنماط العمل الاقتصادي في بلدنا الذي آن أوان تغيرها. فخلال العقود الأخيرة سيطرت على الشباب الأردني نزعة كاسحة نحو العمل الوظيفي المكتبي , في دوائر الدولة ومؤسساتها على وجه الخصوص , والتي أصبحت متنوعة بالقوى البشرية المعيقة للإنتاج , بعدما صارت وظيفة الحكومة في كثير من الأحيان لونا من ألوان البطالة المقنعة.
لقد أدى تزاحم الأردنيين على الوظائف الحكومية , وعلى بعض المهن ذات الحضوة الاجتماعية إلى حزمة من الاختلالات الاقتصادية , أدت إلى وقوع قطاعات اقتصادية أردنية أساسية بأيدي العمالة الوافدة التي زاحمت الأردنيين على فرص العمل , وطردتهم من سوقه , لأسباب كثيرة في طليعتها مفهوم اجتماعي طارئ ودخيل على ثقافتنا الأردنية وقيمنا الاجتماعية, نجمت عنه نظرة خاطئة إلى العمل اليدوي, الأمر الذي بنت عليه جماعه عمان لحوارات المستقبل المحور الثالث من محاور حوارها مع الشباب وعن دورهم في التغيير. وقد طرحت الجماعة هذا المحور على شكل سؤال هو من أين نبدأ التغير وبمن نبدأ؟ والإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى شجاعة في المواجهة مع النفس، فقد تعودنا أن نلقي اللوم على الغير، وغالباً ما يكون هذا الغير هو الحكومة والمسؤولين فيها، وكأن الحكومة وأهلها قوماً مستوردين من مجتمع آخر، وليسوا من نبت هذا المجتمع، الذي اعتدنا أن نمارس فيه التناقض بين القول والفعل.
- فبألسنتنا نشتم الفساد أما في سلوكنا فنعظمه نقيم على شرفه الولائم، وتحت رعايته تجري النشاطات،
- وبألسنتنا ندعو إلى سيادة القانون، ثم في سلوكنا نكدح كدحاً في استنباط طرق التحايل عليه، وضربه بعرض الحائط، ابتداءً من قوانين السير وصولاً إلى قوانين الانتخابات.
- فمن الذي يقيم صواوين الأفراح والأتراح في حرم الطريق، ويقطعه على الناس؟
- ومن هم الذين يغيرون مسارب سيارتهم بلا مقدمات؟ ومن هم الذين يستخدمون زامور السيارة بسبب وبلا سبب؟ ألسنا نحن؟
- ومن الذي يفكر بالواسطة قبل البدء بأية معاملة؟
- ومن الذي يزور كل أوراقه ليأخذ من جامعته إعفاء الجسيم؟
- ومن الذي يبيع صوته في الانتخابات؟ أو لا ينتخب إلا ابن عشيرته وهو يعلم أنه غير كفؤ؟
- ومن التي لا تريد الزواج إلا من طبيب أو مهندس حتى لو كان غير كفؤ؟
- ومن التي ترهق كاهل خطيبها بقائمة طويلة من الطلبات والحفلات التي تبقيه مدى الدهر مديوناً مهموماً؟ أو أنهاتبقي شبابنا في حال تحفز للطلاق أو حالة عزوف عن الزواج أصلاً، الأمر الذي جعلنا في مقدمة دول العالم من حيث نسبة الطلاق التي اجتمعت آفته إلى آفة العنوسة التي تتفاقم نسبتها في مجتمعنا،
إن هذه كلها إفرازات لثقافة اجتماعية آن اوآن تغيرها وبداية ذلك كله من عند الشباب فهم رواد التغير في كل المجتمعات، لذلك كانوا أول من آمن بمحمد عليه السلام الذي نزل عليه الوحي بناموس التغير الأزلي " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، فالتغير يبدأ من الذات وعلى كل من يريد التغير أن يبدأ بنفسه،ومن نفسه ومحيطه الضيق، وهذه سنة التغير الحقيقي التي وضعها الله لخلقه، فكان الأنبياء والرسل يرسلون أحاد، وبأنفسهم يبدؤن ثم بأسرهم الصغيرة، ثم بعشيرتهم و"أنذر عشيرتك الأقربين".
ما أريد أن أقوله أن التغير يحتاج إلى شجاعة في المواجهة مع النفس ثم مع السائد, والشباب أهم أكثر الشرائح قدرة على ذلك, فهل يفعلها شباب الأردن؟ الراي
