اذا كان فيديو اعتداء طالب على زميله في مدرسة اثار ازمة اجتماعية, دفعت وزير التربية والتعليم الى الطلب بمراجعة العملية التربوية بعد احتدام ظاهرة التنمر في المجتمع وانعكاسها على المدارس, فماذا سنقول اليوم ونحن نشهد خلال ساعات معدودة حادثتي اطلاق نار بين طلبة المدارس, في مشهد كنّا نقرأ ونسمع عنه من الاعلام كحوادث متكررة في مدارس الكابوي الامريكي, مع تعليقات ممجوجة تتحدث عن غرابة هذه الحوادث على مجتمعنا الاردني, متناسين بوعي ان كل الحوادث لها مثيلاتها في مجتمعنا من حوادث الاغتصاب والسرقة والعنف الى آخر سلسلة في قاموس الجرائم, والفرق الوحيد بيننا وبين المجتمعات الاخرى, انها تعترف بأزماتها ونحن نمارس الانكار والتمسك بكلاشيهات عفا عليها الزمن, فنحن يا سادة اول من وصف العالم بالقرية الصغيرة حسب تعبير المغفور له الحسين رحمه الله ومع هذه الاسبقية في التوصيف نرفض الاعتراف بان القرية تؤثر وتتأثر بسلوك ساكنيها.
ابرز اسباب ظاهرة التنمر التي افضت الى ارتفاع اعداد الجرائم والاعتداءات هو غياب النموذج والقدوة في المدرسة والمجتمع والجامعة, وتكسير نمط التربية الوطنية وتحويلها الى مجرد تفاخر بالاصل والمنبت والعائلة والحارة, وقد رأينا كل تلك الظواهر من التنمر في جامعاتنا وصمتنا عليها صمت القبور, مستخدمين نفس الكلاشيهات ومنكرين حجم التباغض والكره في المجتمع الاردني نتيجة غياب العدالة والتنمية البشرية اولا قبل التنمية الاقتصادية ..
لنعترف ابتداء بالظاهرة ونعترف بمسؤوليتنا عنها, ثم نشرع في دراستها ووضع الحلول, واول كسر للطالب كان بكسر هيبة المعلم الذي هو اول قدوة يراها الطالب بعد والديه, فقد تحولت العلاقة بين الطالب والمعلم الى علاقة تعاقدية يعمل بموجبها المعلم عند الطالب دافع القسط ومارست مدارس خاصة تكريس هذا النمط الاستهلاكي, وضحكنا جميعًا على جملة اصبحت قاعدة بعد طغيان الخاص في التعليم الجامعي « ادفع قسطا تنجح فصلا تخرج طبلا « على شدة مرارة الجملة ووجوب ان تستنفر كل حواسنا بدل التعامل معها بطرافة وخفّة, فصار الطالب المدرسي والجامعي صاحب عمل او مساهما في شركة ربحية يعمل فيها المعلم والاستاذ الجامعي, وطبعا تلا ذلك سيلان مدهش في حجم حملة الشهادات العليا من منازلهم فالجامعات في الدول الشقيقة باتت تمنح درجة الدكتوراة كما يمنح الصيدلاني علبة البنادول دون وصفة طبية .
دوما نحتاج الى حدث كي نستعيد وعينا بالصدمة, وحادثة اطلاق النار على طالب والحادثة التي قبلها وباقي الحوادث تكشف حجم التنمر الذي اشتكى منه وزير التربية والتعليم وكثير قبله وربما كثير بعده, وعلينا ان نتوقف للمراجعة واتخاذ القرار الحاسم باعادة الهيبة الى مثلث العملية التربوية والتعليمية اولا وعاشرا, فلا اصلاح ولا تقدم الا بتطوير التعليم واعادته الى اصل منبته كواجب على الحكومة, يجب ان تصونه وتوفر ارقى الخدمات له دون تلكؤ وابطاء واذا صلح التعليم ستصلح باقي الامور وعكس ذلك سنبقى نمارس الضحك على انفسنا .