د. عاطف شواشرة *
في ظل المتغيرات الدولية والانفتاح الاقتصادي والتطورات العلمية والتكنولوجية والتقنية التي يشهدها العالم، وما قد ينتج عنها من تغيّرات سريعة في المفاهيم الاقتصادية والمهن ووسائل وفنون الإنتاج، استشعرت البلدان المتقدمة منها والنامية الحاجة إلى ضرورة تزايد الاهتمام بمنظومة تنمية الموارد البشرية، وبصفة خاصة في مجالات التدريب الوظيفي، وتنمية المهارات أو إضافة مهارات جديدة في سبيل مواكبة التطورات السريعة والتكيّف مع احتياجات سوق العمل.
وبدون شك يمكن القول إن التدريب المستمر للموارد البشرية بمختلف فئاتها يعد من أهم مقومات ومستلزمات التطوير، وخلق جيل من الكوادر والكفاءات القادرة على مواكبة المتغيّرات، والتعامل مع التكنولوجيا الحديثة التي بدونها لا مجال للدخول ضمن مجموعة البلدان المتقدمة التي تفرض علينا المنافسة الشرسة، وقوامها المستويات العالمية في الإنتاج والانتاجية والجودة، الأمر الذي يتطلب بذل المزيد من الجهود في تنمية وتطوير منظومة التدريب الوظيفي على مختلف الجوانب والمستويات، وإدراج هذه القضايا ضمن السياسات والخطط والبرامج والتوجهات الواجب اتباعها من قبل المؤسسات والجهات المعنية بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية في البلدان العربية، إذا ما أرادت التأقلم والتكيف مع المستجدات والتطورات العلمية والتقنية والاستفادة من ايجابياتها في تضييق الفجوة التي تبدو هائلة بين البلدان المتقدمة والنامية.
وإذا كان التدريب بفلسفته العامة يهدف إلى إكساب المتدربين المفاهيم والمعلومات النظرية والمهارات العملية تحقيقًا لمبدأ التكامل بين النظري والتطبيقي وبين العلم والعمل، وكذلك إعداد الأخصائيين المهنيين والماهرين في المجالات المهنية كافة، وتزويدهم بالمهارات المتخصصة والثقافية والعلمية في ضوء قدراتهم وميولهم، وتماشيا مع احتياجات ومتطلبات سوق العمل ووفق احدث المستجدات العالمية، فإن عمليات إدارة وحدات التدريب والمراكز التدريبية يجب أن تعتمد أقصى مستويات الجودة العالمية في هذا المجال.
ومعهد العناية بصحة الأسرة التابع لمؤسسة نور الحسين، من المؤسسات المحلية الرائدة في هذا المجال، والتي تمتلك خبرات تراكمية تمتد لثلاثين عامًا في سوق العمل والتدخل العلاجي والتدريب محليًا وإقليميًا، حتى بات أنموذجًا يحتذى في إجراء التدريبات المحلية، وبناء قدرات المؤسسات من وزارات وجمعيات ومعاهد، بشراكة مع مؤسسات الأمم المتحدة، والإتحاد الأوروبي، والوكلة الأميركية للتنمية، والكثير من الشركاء العالميين.
إن معهد العناية بصحة الأسرة يطبق أحدث المعايير والمؤشرات الخاصة بجودة التدريب، التي تبدأ من وجود سياسات تدريبية مترجمة إلى استراتيجيات طويلة المدى، وخطط عمل سنوية وبروتوكولات توضّح إجراءات التدريب كافة مع نماذج العمل المختلفة، بدءًا من قياس الاحتياجات التدريبية، وتصميم الحقائب، ووضع البرامج ذات الأهداف الشمولية المتعددة (معرفية، سلوكية، انفعالية)، مرورًا بآليات التنفيذ المتضمنة مهارات العرض والأداء، وانتهاءً بتقييم التدريب وقياس الأثر الفوري والمؤجل (قياس الأثر)، بحيث يتضمن التقييم جميع مفاصل التدريب من خلال تطبيق الاختبارات القبلية والبعدية لقياس الأثر المعرفي والمهاري، ثم التقييم الشمولي النهائي لكل ما يتعلق بالتدريب وانتهاءً بإجراء عملية تدقيق التدريب، وبعدها بأشهر عملية قياس الأثر وفق منظومة مخطط لها ومخرجات مدروسة ومتوقعة من التدريب، ثم إعداد الملف التدريبي الشمولي الذي يتضمن تقريرًا يعده المدرب عن كل جلسة تدريبية، وكذلك أهداف وأجندة التدريب، والتحليل الإحصائي والنوعي لبيانات التقييم، وصولًا إلى التوصيات المناسبة بشأن البرنامج التدريبي، وهكذا يتم تطوير البرامج التدريبية بناءً على هذه الخبرات التراكمية.
كما يلتزم المعهد بتوفير مدربين مؤهلين وفق أعلى المستويات من حيث وجود التخصص العلمي بدرجة الماجستير على الأقل، وحصول المدربين على تأهيل متقدم بدورات تدريب مدربين من أفضل المعاهد العالمية، ولديهم خبرات عملية طويلة في هذه الشأن، والتأكد من قدرتهم على تقديم البرامج من خلال الإشراف الفني المباشر على كل مدرب.
إن واقع سوق التدريب في الأردن يكتنفه الغموض والكثير من التساؤلات المطروحة، فهو سوق مفتوح دون حسيب أو رقيب، وأصبح يقصده كل راغب بالحصول على شهادة تمكنه من الدخول لسوق العمل، دون الاهتام بالمضمون والمحتوى، فلا رقابة ولا إشراف على مدخلات ومخرجات هذه المراكز، وهذا بالضرورة ينعكس سلبًا على فنيات العمل والخدمات المقدمة للمواطنين في قطاعات العمل كافة، بل ينعكس على الدولة بترهل كواردها البشرية وتدني جودة مخرجاتها والمساهمة بإحداث العقبات في وجه التنمية البشرية المستدامة.
* مدير وحدة التدريب والتطوير في معهد العناية بصحة الأسرة / مؤسسة نور الحسين