لا أحد يجادل بأننا خلال العقدين الأخيرين من عمر الدولة الأردنية لم نبذل جهداً مادياً ومعنوياً وتشريعياً يفوق الجهد الذي تم بذله في سبيل جلب الاستثمار وتشجبيعه، ومع ذلك فإن الوقائع على الأرض تؤكد أن النتائج عكسية، وأنه بدلاً من استقطاب الاستثمار الخارجي إلى الأردن،هرب الاستثمار الأردني إلى الخارج، وكل من يزور مصر أو دبي أوتركيا أوقبرص أوغيرها من الدول سيلمس لمس اليد حجم الاستثمارات الأردنية المهاجرة إلى هذه الدول وإلى غيرها، لأن استقطاب الاستثمار لا يحتاج إلى مجرد الكلام الجميل، أو النصوص القانونية المحكمة، فالأهم منهما الممارسة العملية للإدارة العامة التي تشعر المستثمر بالاطمئنان، وهي الممارسة التي تقول الحقائق على الأرض أنها ممارسة طاردة للاستثمار من بلدنا، والشواهد على ذلك كثيرة من بينها الحالة التي بين أيدينا والتي يدفع ثمنها الكثيرين من المستثمرين الأردنيين وغير الأردنيين في منطقة العقبة الخاصة، فوق أنها تحرم الخزينة العامة من دخل يقدره المطلعون على هذه القضية بحوالي مائة مليون دينار أردني، كل ذلك بسبب تضارب الآراء والمواقف بين مؤسسات الدولة، وهو التضارب الذي دائماً ما يسبب لنا خسائر مادية ومعنوية، مثلما هو الحال في القضية التي أمامنا وأطرافها رئاسة الوزراء وسلطة منطقة العقبة الخاصة ووزارة العدل ووزارة المالية.
تتلخص القضية في أن قانون سلطة العقبة الخاصة يفرض عقد الجلسات الخاصة بقضايا الضريبة والجمارك الخاصة بالسلطة في مدينة العقبة، الأمر الذي كان يحتم على قضاة محاكم البداية الضريبية والجمركية، وكذلك محاكم الاستئناف الانتقال إلى مدينة العقبة لعقد جلسات هذه المحاكم تنفيذاً للنص القانوني، حيث كانت سلطة العقبة الاقتصادية وبموافقة وزير المالية بموجب كتابه رقم 107/816/6628 المؤرخ بـ 8/1/2003 تقوم بحجز فنادق وتأمين المواصلات والمياومات للقضاة والمدعين العامين الذين كانوا يتولون مهمة النظر في القضايا المعروضة عليهم حتى فوجىء الجميع بقرار جديد من وزير المالية بكتابه رقم 16/115/28779 تاريخ 10/10/2017 وقبله كتابه 16/15/23720 تاريخ 22/8/2017 اللذين طلب بهما عدم دفع سلطة العقبة الخاصة لقيمة الحجوزات والمواصلات والمياومات، مما اضطر المحاكم المعنية إلى التوقف عن ممارسة عملها منذ ما يقارب ستة أشهر حتى الآن، بسبب عدم سفر القضاة والمدعين العامين إلى العقبة لتوقف سلطة العقبة الخاصة عن تغطية نفقات انتقالهم وإقامتهم ...الخ مما يعني تعطيل العدالة لأن تأخير العدالة تعطيل لها، ومما يعني أيضاً تكبيد أصحاب القضايا من المستثمرين المزيد من الكلف المالية، سواء لناحية أتعاب المحامين الملزمين بالذهاب ألى العقبة في مواعيد انعقاد الجلسات لإثبات حضورهم رغم غياب القضاة والمدعين العامين, أو لناحية الغرامات المترتبة عليهم لتأخير صدور الأحكام.
إن هذه الواقعة تثير جملة من الأسئلة، أولها هل نحن أبناء دولة واحدة تطبق فيها نفس القوانين والأنظمة، وعلى ضوء ذلك أي الموقفين هو الموقف الصحيح لوزير المالية, موقفه عام 2003، و الذي وافق فيه على تحمل سلطة العقبة الخاصة لنفقات الإقامة والتنقلات والمياومات للكادر القضائي، أم موقفه عام 2017 الذي تراجع فيه عن ذلك مما أدى إلى تعطيل العدالة لمدة ستة شهور حتى الآن، علماً بأن سلطة العقبة الاقتصادية ماتزال على استعدادها لتحمل نفقات المحاكم كما جاء في كتاب رئيسها لدولة رئيس الوزراء المؤرخ بتاريخ 15/11/2017 .
السؤال الثاني أيهما أجدى للخزينة العامة،إنفاق بضعة الآف من الدنانير كلفة انعقاد المحاكم وإحقاق العدالة، من أجل تحصيل عشرات الملايين من الدنانير من جهة, والحفاظ على سمعة الأردن في الداخل والخارج من جهة ثانية ومن ثم استقطاب الاستثمارات الذي هو هدف استرتيجي رئيس للدولة الأردنية. أم توفير بضعة الآف الدنانير هي كلفة تحصيل الملايين مع تشويه سمعة الأردن؟
السؤال الثالث هو: ألا يستحق رجال القضاء الأردني التكريم والإكرام أثناء أدائهم لمهمة تحقيق العدالة، سواء كان ذلك في التنقل أو الإقامة أو غيرها، أم أن لوزير المالية رأي آخر ترجمه كتابه الذي منع فيه صرف المستحقات للقضاة والمدعين العامين عند ذهابهم للعقبة لممارسة عملهم وبالتالي منع إحقاق العدالة؟أسئلة نضعها أمام دولة رئيس الوزراء. الرأي
Bilal.tall@yahoo.com