قصتان شغلتا الناس الأسبوع الماضي، تكشفان عن مخزون العنف والأزمات في المجتمع الأردني.
الأولى كانت الاعتداء على سيارة عند دوار المدينة الرياضية من قبل "كونترلية" باص كوستر، أمام مرأى الجميع، والثانية لطالب يعتدي على زميله في مدرسة خاصة بطريقة مهينة وعنيفة، وطلبة يتفرجون، فيما طالب آخر يشجع ويعلق ويتولى التصوير.
ربما يقول الكثيرون إن ما نشرته مواقع التواصل الاجتماعي للقصتين يحدث بتكرار، وهو سمة مجتمعية، والاختلاف أنه حظي باهتمام شعبي ورسمي.
لا توجد إحصائيات موثقة عن حجم هذه الظواهر في المجتمع، لكن الأهم كيف تعاملنا معها سابقاً، وكيف سنتعامل معها الآن، ودائماً يشغلني ويشغل الجمهور سؤال؛ ماذا لو لم تقتنصه وسائل التواصل الاجتماعي ويصبح حكاية كل الناس.. كيف ستتصرف الحكومة وجهات إنفاذ القانون؟!
قصة اعتداء "كونترول" باص "الكوستر" على السيارة واستخدام العصي، والتكسير بجنون، تفتح الباب طويلاً لسلوكيات السائقين خلال قيادتهم لسياراتهم، وعدم الانضباط والالتزام بقواعد السير، والأدهى أنهم ينزعجون وقد يشتمونك إذا لفتّ نظرهم بأنهم يخالفون قوانين السير.
والجانب الآخر للقصة موضوع النقل العام، وظاهرة باصات الكوستر التي غزت شوارعنا منذ سنوات لتعوض عن فشل حلول النقل العام المتطورة، فانتشرت بعد ذلك تحذيرات تقول بأن بعض سائقي هذه الباصات "انتحاريين" يقودون الناس للهاوية، هذا عدا عن الصورة النمطية التي ترسخت عند من يستخدمونها للسائق والأسوأ "الكونترول" سمتها العامة بأن بعضهم "زعران" و"بلطجية"!
لم تتصدَ الحكومة بحزم لهذه الظاهرة، يشاهد رجل السير باص الكوستر يتوقف على الجسر لينزل راكبا فيدير نظره، ويسمع الركاب الألفاظ المشينة وحركات التحرش، ولا يجرأ غالبيتهم على التصدي لهم لأنهم سيدخلون في دوامة لن تنتهي وقد يتعرضون للاعتداء، ويعرفون أن النتيجة ليست لصالحهم!
مدير الأمن العام الجديد فاضل الحمود يعد بأن الأمن العام "سيضرب بيد من حديد من يتجاوز على القانون"، ونأمل أن تتحقق وعود أمين عمان يوسف الشواربة بأن العام 2020 نهاية مشكلات النقل العام، لعلنا نرتاح ممن يهددون حياتنا بالطريق.
لا تقلّ قصة اعتداء طالب على زميله بهذه الوحشية خطراً عن اعتداء كنترول الباص بالشارع، فما حدث يهدد منظومة التربية والتعليم ويؤكد بأننا بأزمة، واستغرب متابعون أن تكون القصة قد وقعت في مدرسة خاصة عريقة، ولو حدثت في مدرسة حكومية لقدمت الكثير من الأعذار والمبررات لظروف المدرسة والمعلمين والطلبة.
هذه القصة دفعتني للقراءة في تجارب التعليم في فنلندا واليابان، وعـُدت لبرنامج خواطر الذي أعده الإعلامي أحمد الشقيري عن الحياة المدرسية في اليابان، وتفاني المعلمين بخدمتهم، والانضباط الطوعي والانتماء للمدرسة من الطلبة.
شعرت بالغصة، وأدركت أن أمامنا رحلة طويلة وشاقة، وأن بداية التغيير لا بد أن تكون من المدرسة اذا كنا لا نريد أن نرى "نماذج" ما حدث من اعتداء على الطالب، و"التشبيح" الذي وقع على دوار المدينة الرياضية.
وزير التربية والتعليم عمر الرزاز كتب على تويتر معلقاً "تعاملنا مع قضية سلوك التنمر والعنف المنفّرة التي تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي قبل أيام، لكن سلوك التنمر بوصفه ظاهرة لا يزال متفشياً، وهذا يدعونا إلى فتح حوار جاد يتناول ليس فقط المتنمر والضحية، ولكن أيضاً مسؤولية الذي يقف متفرجاً إزاء حالات العنف من غير أن يحرك ساكناً".
نقاشات كثيرة مهمة وقعت بعد حادثة التنمر، موقفي كنت وما زلت ضد نشر الفيديو لأنه يشكل امتهاناً لكرامة الأطفال ويترك ندوباً وأذى نفسياً لا يزول بمرور السنوات، وكان يجب على من يريد النشر لتحقيق مصلحة عامة أن يغطي عيون الأطفال (الضحية والمعتدي).
الوزير الرزاز مطالب اليوم قبل الغد بأن يعطي اهتماماً لمنظومة الاخلاق والسلوك، ويكفي أن ننظر للفيديو الذي نشر عن طلبة وطالبات مدرسة خاصة معروفة وعريقة يقومون بكتابات على جدران مدرستهم بشكل ملوث وقبيح ومعيب وسط حالة من الهيجان والاحتفاء.
يا معالي الوزير نريد منهاجاً للأخلاق، نريد تغيير منظومة التربية والتعليم، فلا فائدة من طلبة يحفظون ما في الكتب، ولا يحفظون كرامة معلميهم ومجتمعهم ووطنهم!
الغد