أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات وفيات برلمانيات جامعات مناسبات مجتمع رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة جاهات واعراس الموقف شهادة مستثمرون دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

عمالة الأطفال في الأردن: طفولة مسلوبة تحت وطأة الفقر والإهمال (تحقيق استقصائي)

مدار الساعة,أخبار الأردن,اخبار الاردن,كورونا,دائرة الإحصاءات العامة,وزارة العمل,التنمية الاجتماعية,جامعة الدول العربية
مدار الساعة ـ
تحقيق استقصائي يكشف الواقع المرير لآلاف الأطفال الذين تُحرم طفولتهم في ظل صمت المجتمع
حجم الخط
مدار الساعة - فراس الحديدي - في زوايا عمان والقرى الأردنية، وبين أفران الخبز الحارقة وأرصفة الأسواق المتهالكة، تختفي ضحكات الأطفال وتُستبدل بأكياس الفحم وصناديق الخضار. ففي المكان الذي يفترض أن تُملأه ضحكات الأطفال ويصاحبهم الكتب والأقلام، يتحول الواقع إلى حمل أثقال تفوق طاقة أكتافهم الصغيرة. عمالة الأطفال في الأردن ليست مجرد أرقام وإحصائيات، بل هي قصص مؤلمة لأطفال حُرموا من أبسط حقوقهم: الحق في التعليم، واللعب، والحلم. هذا التقرير هو نداء لضمير المجتمع، يحكي معاناة أطفال فقدوا براءتهم في معركة البقاء.
قصص تدمي القلب: عندما تفقد الطفولة براءتها
محمد "اسم مستعار" (12 عاماً): طفل يحمل العالم على كتفيه
في أحد أحياء مدينة الزرقاء، يقف محمد بجسده النحيل ووجهه الذي فقد براءة الطفولة. يعمل في فرن يحرق وجهه بحرارته، ويهمس قائلاً:
"تركت المدرسة منذ عام لأساعد والدي المريض في إعالة أسرتي. أعمل لساعات طويلة كل يوم، وأشعر بالتعب، لكن لا خيار لدي."
محمد هو واحد من مئات الأطفال الذين يُجبرون على العمل بسبب الفقر، ويحلم بالعودة إلى المدرسة رغم علمه أن أحلامه قد تصبح سرابًا في ظل الظروف القاسية.
أحمد "اسم مستعار" (10 أعوام): طفل بين أنقاض الأحلام
في ضواحي إربد، يجلس أحمد على رصيف متهالك يبيع المناديل الورقية، قائلاً:
"أبي توفي، وأمي تعمل خادمة. أحاول مساعدتها، لكنني أحياناً أشعر أنني لا أستطيع أكثر من ذلك."
تحمل عيناه نظرة تحكي حكمة قسرية فرضتها عليه الحياة، ويحلم بأن يصبح طبيبًا رغم أن هذا الحلم يبدو بعيد المنال في ظل واقعه المرير.
الأسباب الجذرية لعمالة الأطفال
الفقر
وفقًا لدائرة الإحصاءات العامة، يعيش 15% من الأردنيين تحت خط الفقر. هذا الوضع يدفع الأسر الفقيرة إلى تشغيل أطفالها لتأمين دخل إضافي، مما يحرمهم من حقهم في التعليم واللعب.
التسرب المدرسي
بلغت نسبة التسرب 5.2% خلال العام الماضي، إذ يضطر العديد من الأطفال لترك المدرسة بسبب عدم القدرة على تحمل تكاليف التعليم أو الحاجة الملحة للعمل.
ضعف تطبيق القانون
على الرغم من وجود قوانين صارمة تحظر عمالة الأطفال، فإن ضعف الرقابة، لا سيما في القطاع غير المنظم، يسمح بانتشار العمل في ظروف خطرة دون حماية قانونية.
تأثير النزاعات والنزوح على عمالة الأطفال
أشار تقرير صادر عن جامعة الدول العربية والمجلس العربي للطفولة والتنمية إلى أن النزاعات المسلحة والنزوح الجماعي في المنطقة أديا إلى تفاقم ظاهرة عمالة الأطفال. في الأردن، ساهم تدفق اللاجئين السوريين في زيادة الضغط على الموارد الاقتصادية، مما دفع العديد من الأطفال إلى سوق العمل.
أسوأ أشكال عمالة الأطفال
تشمل هذه الظاهرة أشكالاً متعددة من الاستغلال:
العمل القسري والزواج المبكر والاستغلال الجنسي.
العمل في ظروف خطرة: خاصة في القطاعات مثل الزراعة والإنشاءات، حيث تتعرض الأطفال لمخاطر جسدية وصحية جسيمة.
تعد الزراعة القطاع الأكثر استقطابًا للأطفال العاملين، مما يزيد من تعرضهم للمخاطر.
جهود الحكومة والمؤسسات: خطوات إيجابية لكنها غير كافية
تصريحات وزارة العمل
صرح الناطق باسم وزارة العمل، محمد الزيود، بأن التفتيش على عمل الأطفال يشكل 15% من الزيارات التفتيشية في عمان والمحافظات. أوضح الزيود أن الوزارة أنشأت قسمًا متخصصًا لمتابعة الحد من عمل الأطفال، وتوفر آلية تبليغ إلكترونية (Childlabor.Mol.Gov.Jo) بالتنسيق مع وزارات العمل والتنمية الاجتماعية والتعليم. كما يستقبل مكتب الوزارة شكاوى المواطنين بشأن عمالة الأطفال عبر مديريات ومكاتب العمل في كافة المحافظات.
وفيما يتعلق بالإجراءات القانونية، أكد الزيود أن قانون العمل يمنع تشغيل الأطفال دون سن 16 عامًا بأي شكل، ويحظر تشغيل الأطفال تحت سن 18 في الأعمال الخطرة، كما يمنع تشغيلهم لأكثر من 6 ساعات يوميًا (بين الساعة الثامنة مساءً والسادسة صباحًا) وفي العطل الرسمية. ووفقًا للمادة (76) يجب تقديم شهادة ميلاد، شهادة صحية وموافقة ولي الأمر عند تشغيل الأطفال، فيما تحدد المادة (77) عقوبات تتراوح بين 300 إلى 500 دينار ضد المخالفين، وفي عام 2024، زارت فرق التفتيش 3889 منشأة وحررت 181 مخالفة، بينما تم ضبط 294 طفلًا في إربد.
تصريحات الدكتور يوسف مسلم
من جانبه، أوضح الدكتور يوسف مسلم أن المشكلة تكمن في التوصيفات المتعلقة بالطفولة والعمل، إذ يُعتبر تصنيف الأطفال حتى سن 18 عامًا غير دقيق، حيث يحدد القانون الدولي الطفولة حتى هذا السن بينما يحددها الشرع حتى 15 عامًا. وأوضح أن "عمالة الأطفال" تعني استغلال الأطفال في أعمال غير آمنة، مشيرًا إلى أنه إذا كان الطفل يعمل تحت إشراف والديه في بيئة آمنة، فقد لا يُعد ذلك عمالة. ورغم أن بعض البلدان تسمح للأطفال من سن 14 بتعلم مهن معينة، فإن المشكلة تكمن في حالات العمل الخطرة أو العمل في الشوارع التي تعرض الأطفال للمخاطر الجسدية والنفسية.
واختتم الكلام بقوله: تراجع حس المسؤولية لدى الأطفال في الجيل الحالي، نتيجة التركيز على الدراسة فقط، والذي يمكن معالجته من خلال السماح لهم بالعمل ابتداءً من سن 14 عامًا. هذا النوع من العمل - تحت اشراف والديه في بيئة امنة - يساعد على تنمية حس المسؤولية لدى الأطفال، ويعلمهم كيفية فهم دورهم الاجتماعي والإنتاجي، مما يزيد من قدرتهم على التكيف مع الحياة العملية في المستقبل.
الحلول المقترحة: نحو مستقبل أفضل لأطفال الأردن
برامج الدعم المادي للأسر الفقيرة: تقديم منح مالية شهرية، على غرار برنامج "تكافل" في مصر الذي قلل عمالة الأطفال بنسبة 30%.
تعزيز الرقابة والتفتيش: زيادة عدد فرق التفتيش وتزويدها بالموارد اللازمة للوصول إلى المناطق النائية.
برامج التوعية المجتمعية: تنظيم حملات توعوية بالتعاون مع المدارس والمساجد لتغيير الثقافة المجتمعية التي تتقبل عمالة الأطفال.
إعادة تأهيل الأطفال العاملين: توفير برامج تعليمية وتدريبية لإعادة الأطفال إلى المدارس أو اكتساب مهارات للعمل القانوني.
نداء من أجل "جيل الغد": فلنحمي طفولتهم
رغم الجهود المبذولة، يتطلب القضاء على عمالة الأطفال تضافر جهود الحكومة، والمجتمع المدني، والأفراد. حماية الأطفال وضمان حقهم في التعليم ليست مسؤولية قانونية أو حكومية فحسب، بل هي مسؤولية وطنية وأخلاقية. علينا أن نجعل قصص محمد وأحمد مجرد ذكريات من الماضي، وليس واقعاً نعيشه كل يوم.
ملخص تقارير وإحصائيات داعمة
تقرير ارتفاع عمل الأطفال في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بسبب النزاعات والنزوح
النزاعات والنزوح: أديا إلى زيادة عمل الأطفال بين اللاجئين والمهجرين.
أسوأ أشكال العمل: تجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة، العمل في الشوارع، السخرة، الزواج المبكر، والاستغلال الجنسي.
العمل الخطير في الزراعة: يمثل أكثر من نصف الأطفال العاملين في بعض الدول.
التحديات: نقص البيانات الدقيقة وارتفاع معدلات عمالة الأطفال في دول مثل السودان (12.6%) واليمن (13.6%).
التوصيات: تحسين القوانين، دعم الأسر الفقيرة، وحماية الأطفال من تجنيد الجماعات المسلحة.
تقرير المسح الوطني لعمل الأطفال في الأردن (2016)
حجم الظاهرة: يعمل في الأردن 75,982 طفلًا، ما يمثل 1.89% من إجمالي الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عامًا.
القطاعات: يتركز عمل الأطفال بشكل أساسي بالاردن في قطاع تجارة الجملة والتجزئة وإصلاح المركبات بنسبة 29%، يليه قطاع الزراعة بنسبة 28%.
العمل الخطير: يُمارس 44,917 طفلًا أعمالًا مصنّفة ضمن الأعمال الخطرة، ما يعادل 59.1% من إجمالي الأطفال العاملين.
التوزيع الجغرافي: بالنسبة للتوزيع الجغرافي تتصدر محافظة الكرك المحافظات بنسبة 4.22% من اطفال سكان الكرك.
المشاركة في الانشطة الاقتصادية حسب جنسية الاطفال: كان الاكثر انخراطا في سوق العمل الاطفال السوريين بنسبة 3.22% يليها الاطفال من جنسيات اخرى 1.98% ثم الاطفال الاردنيين 1.75%.
تقرير "تمكين" حول أثر جائحة كورونا على التعليم وعمالة الأطفال في الأردن (2021)
أظهر تقرير "تمكين" أن الجائحة أدت إلى تفاقم عمالة الأطفال، خاصة بين الأسر الفقيرة واللاجئين، بسبب فقدان الوظائف وضعف التعليم الإلكتروني، مما زاد من تسرب الأطفال من المدارس ودفعهم للعمل في قطاعات مثل الزراعة والخدمات وأعمال خطرة كالبناء والتسول.
الخلاصة
تُعد ظاهرة عمالة الأطفال في الأردن قضية اجتماعية معقدة تتشابك فيها عوامل الفقر والتسرب المدرسي وضعف الرقابة مع تأثيرات النزاعات والنزوح. في ظل هذه الظروف، يتحول الأطفال إلى عمال صغار يُحرمون من التعليم واللعب، مما يعرضهم لمخاطر جسدية ونفسية. لمواجهة هذه الظاهرة، يجب تبني حلول شاملة تشمل الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية وتعزيز جودة التعليم وتوسيع برامج الدعم الاجتماعي، بالإضافة إلى رفع مستوى الرقابة والتوعية المجتمعية. حماية الأطفال وضمان مستقبلهم هو التزام وطني وأخلاقي يقع على عاتق الجميع.
المراجع
قانون العمل الأردني
دائرة الإحصاءات العامة الأردنية
وزارة العمل الأردنية
تقرير "تمكين" حول أثر جائحة كورونا على الأطفال
تقرير اليونيسف حول الأطفال خارج المدرسة
تقرير ارتفاع عمل الأطفال في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بسبب النزاعات والنزوح
تقرير المسح الوطني لعمل الأطفال في الأردن (2016)
تقرير جامعة الدول العربية والمجلس العربي للطفولة والتنمية: تأثير النزاعات والنزوح علىعمالةالأطفال
مدار الساعة ـ