مدار الساعة - بعد أكثر من تسع سنوات قضاها بعيداً عن رئاسة الأمن السوداني، عاد الفريق أول صلاح محمد عبد الله (قوش)، اليوم الأحد، إلى منصبه مديرا عاما لجهاز الأمن والمخابرات.
ففي 15 أغسطس/ آب 2009، ودون إبداء أسباب، أصدر الرئيس السوداني، عمر البشير، قرارا جمهوريا أقاله بموجبه "قوش" (61 عاما) من منصب مدير عام جهاز الأمن والمخابرات، الذي كان يتولاه منذ عام 2004، وعين محله نائبه الفريق محمد عطا المولى.
وجرى تعيين "قوش"، بموجب القرار الجمهوري نفسه، مستشارا أمنيا للرئيس، لكن في عام 2011 أقاله البشير من هذا المنصب أيضا دون إبداء أسباب.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 جرى اعتقال "قوش" مع 12 ضابط من الجيش وجهاز الأمن والمخابرات، بتهمة الضلوع في محاولة انقلابية أحبطتها السلطات السودانية.
ثم أصدر البشير، في يوليو/ تموز 2013 عفوا عاما عن "قوش"، وأسقط التهم الموجهة إليه هو وزملائه الضباط.
وبعد أن قضى ثمانية أشهر في السجن، شكر "قوش" البشير على قرار العفو، وقال: أنا أبن الإنقاذ (انقلاب البشير العسكري عام 1989)، منها وليها وفيها ولم تتغير مبادئي، وما أزال ابن الحركة الإسلامية و(حزب) المؤتمر الوطني.
ثم أنزوي "قوش" عن الأنظار، منخرطاً في عمله الخاص بين الخرطوم ودبي.
لكنه حافظ على وجوده في الساحة السياسية، نائباً في البرلمان السوداني عن دائرة مروي، التي فاز بانتخاباتها عام 2015.
واليوم الأحد بدأ فصل جديد لرجل الأمن القوي، بعودته إلى قمة الجهاز الأمني السوداني، حيث أصدر البشير قرارا جمهوريا بتعيين "قوش" مديرا عاما لجهاز الأمن والمخابرات الوطني.
إعادة "قوش" يراها المحلل السياسي، دكتور حاج حمد محمد، "بمثابة عودة للحرس القديم من الإسلاميين، ومحاولة لننفخ الروح في المشروع الإسلامي، بعد أن شهدت البلاد مؤخراً أزمة اقتصادية أثارت احتجاجات شعبية؛ جراء سياسات اقتصادية تقشفية، مطلع العام الحالي".
وأرجع محمد، في حديث للأناضول، هذه الخطوة إلى أن "القائمين على أمر البلاد يعتقدون أن المشكلة ليست في المشروع الإسلامي، وإنما في من ينفذونه، وأبلغ دليل على ذلك هو الدفع بقوش مرة أخرى إلى قمة الأمن".
الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي (حزب الراحل حسن الترابي)، المشارك في السلطة، اكتفى بتعليق مقتضب للأناضول قائلا إن عودة قوش "شأن يخص الرئيس عمر البشير والمؤتمر الوطني".
ويمثل اتهام السلطات السودانية لـ"قوش" بالمشاركة في محاولة انقلاب على نظام البشير أكثر مرحلة درامية في حياة الرجل منذ ولوجه العمل العام، باعتبار سنواته الحافلة التي قضاها في العمل الأمني والسياسي.
أهمية "قوش" تنبع من المناصب التي تقلدها منذ دراسته الجامعية في جامعة الخرطوم، حيث كان مسؤولاً عن جهاز المعلومات الخاص بتنظيم الإخوان المسلمين، الذي كان أقوى تنظيم في الجامعة في العقدين الثامن والتاسع من القرن الماضي، وسيطر على معظم اتحادات الطلاب.
وكان نبوغه في العمل الاستخباري وجمع المعلومات وتحليلها، كما يقول متابعوه، سببًا في التحاقه بجهاز المخابرات، الذي أسسه الإسلاميون، بزعامة الترابي، عقب الانقلاب العسكري الذي أوصل البشير إلى السلطة في 1989.
وينحدر الرجل من قبيلة الشايقية، وهي من أكبر القبائل السودانية وأكثرها نفوذًا، حيث ولد بقرية البلل (شمال) في معقل قبيلته، وعاش صباه في مدينة بورتسودان (شرق)، بعد أن استقرت بها أسرته، ودرس بها المرحلة الثانوية، التي التحق خلالها بالإسلاميين.
و"قوش" هو أستاذ رياضيات عرف بـ"الذكاء الخارق"، ودرس في كلية الهندسة بجامعة الخرطوم.
تدرّج في جهاز المخابرات حتى بلغ منصب نائب مدير العمليات، وفي 1996، ونظرًا لخلفيته الهندسية، تم تعيينه مديرًا لمصنع اليرموك الحربي، الذي اتهمت الخرطوم إسرائيل بقصفه، في أكتوبر/ تشرين الأول 2012.
وعندما اختلف البشير مع زعيم الإسلاميين الترابي، عام 1999، وأسس الأخير حزب المؤتمر الشعبي المعارض، انحاز "قوش" إلى البشير.
ولعب "قوش"، بحسب خبراء، الدور المحوري في القضاء على وجود أنصار الترابي في جهاز الدولة، وذلك بحكم صلته بالترابي، وإطلاعه مسبقًا على أغلب أسراره.
وكثيرا ما شكت بعض أحزاب المعارضة مما اعتبرته "فظاظة ووحشية مطلقة" في تعامل "قوش" مع كوادرها، بعد أن تركزت السلطات في يده.
وبعد مغادرته المنصب، نفى "قوش"، في أكثر من مناسبة، أن يكون قد استخدم العنف ضد المعارضين.
والرجل القوي في المخابرات والأمن هو من قاد تحويل جهاز الأمن في عهده إلى قوى كبرى داخل الدولة، حيث تمدد الأمن في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والرياضية، وصار بمثابة الجهاز التنفيذي للدولة بدلا عن مجلس الوزراء، وفق بعض أطراف المعارضة.
وطوال سنوات عمله على رأس جهاز الأمن حظي "قوش" بثقة مطلقة من البشير، خصوصًا بعد نجاحه في إضعاف حزب الترابي، والكشف عن كثير من مخططاته.
إلا أن العلامة الأبرز في مسيرة "قوش" هي تعامله الكبير مع وكالة الاستخابارت المركزية الأمريكية (CIA) في مكافحة "الإرهاب"، في وقت كانت تضع فيه واشنطن السودان، منذ عام 1993، في قائمة الدول الراعية لـ"الإرهاب"، لاستضافته زعيم تنظيم القاعدة الراحل، أسامة بن لادن، بين عامي 1991 و1996.
هذا التعاون كان يقابل على الدوام باعتراضات قوية من قادة حكوميين، حتى أن وزير الخارجية السوداني الأسبق، على كرتي، قال ذات مرة: إن "التعاون الاستخباري مع أمريكا تم بمعزل عن بقية مؤسسات الدولة".
وهو الحوار ذاته، على ما يبدو، الذي تسعي الخرطوم حاليا إلى إنجازه لترفعها واشنطن من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بعد أن رفعت إدارة الرئيس دونالد ترامب، في أكتوبر/ تشرين أول الماضي، العقوبات الاقتصادية التي كانت المفروضة على الخرطوم، منذ عا 1997.
وعقب رفع هذه العقوبات، قال "قوش" إن "خطوات رفع اسم السودان من القائمة بدأت منذ وقت طويل، وليس هنالك مبرر لبقائنا فيها، بل أعتقد أننا استوفينا كل الشروط اللازمة لرفع اسمنا عن القائمة".الأناضول