حلمي الاسمر
لنقرأ معا، بعض ما كتب عن أسطورةٍ اسمُها: أبو جلدة والعراميط (والشكر للكاتب فادي عاصلة).. بين عامي 1930- 1934، تحوّل هذان الاسمان إلى أسطورة فلسطينية مدهشة لا تزال عالقة في الذهن إلى يومنا هذا، هذه الأسطورة استفاضت في التعبير عن ذاتها حين استطاع صاحباها تشكيل خلية مقاومة أرهقت الانتداب البريطاني لسنوات، ونجحت مئات المرات في الإفلات من الكمائن التي نصبها الإنجليز للإمساك بها، لدرجة أنّ «البوليس» البريطاني استقدم مئات القوات، وألبس أنفارًا منها لباسًا قرويًا، واشترى لهم حميرًا حمّلها عنبًا ليبيعوه في القرى لالتقاط أخبار أبو جلدة، لكن دون جدوى، وبعدما استنفد الانتداب البريطاني طاقاته القصوى في العثور على صاحبَيْ الأسطورة تلك، أعلن الانتداب بدوره عن جائزة قدرها 350 ليرة لمن يدلي بأي معلومة عنهما، علّها تكون طرف خيطٍ يقود للإمساك بهما. ومن الواضح أن هذه الحيلة أتت ثمارها في شهر نيسان من العام 1934، إذ حاصرت القوات البريطانية أحد كهوف نابلس، والتي تحصّن بها «أبو جلدة» والعراميط. وبعد أن ألقيا بأسلحتهما، أُلقي القبض عليهما، لتحكم المحكمة عليهما لاحقًا بالإعدام شنقًا، وذلك في 26 حزيران من العام نفسه (1934).
الشهود الذين وثّقوا المحاكمة، قالوا إن المحكومَيْن بالإعدام لم يجزعا- البتّة- ولم تَبْدُ عليهما إمارات القلق أو الارتباك والذعر، وهما في طريقهما إلى المشنقة. وكأنّهما يلاقيان الموت ببسالة وقلبٍ قوي، مقبلَيْن غير مدبرَيْن، من واقع التيقّن بأحقيّة قضيتهما وعدالتها. بل تسابقا إليها؛ كل منهما يريد أن يلقى وجه ربه قبل رفيقه!.