د. ماهر عربيات
حينما نقول أن سطوة القيم والمبادئ أقوى من سطوة السلاح، فهذه حقيقة لا تحتاج إلى برهان، في زمن حلت فيه القوة الثقافية والفكرية محل الجيوش، وحل الإعلام محل الدبابة، وتراجعت القوة الصلبة لمصلحة القوة الناعمة، في كوكب ظاهره يدار بجبروت المال والسلاح، لكن باطنه تتولاه عقول تجيد هندسة الإدارة عن بعد.
القوة الناعمة هي إمكانية الحصول على ما نريد عن طريق الجاذبية أو الأيديولوجيا، دون اللجوء إلى الإرغام أو الإكراه، ويعتبر اصطلاح (القوة الناعمة) من المصطلحات التي ابتكرت حديثا في علم العلاقات الدولية، وقد صاغه عام 1990 أستاذ جامعة هارفارد جوزيف ناي، في كتابه الشهير (وثبة نحو القيادة)، وهو التعبير المضاد للقوة الصلبة التي تعني استخدام موارد الدولة من مال وسلاح للتأثير على دول أخرى، بينما تعتمد القوة الناعمة على تطويع الموارد المجتمعية والمدنية من ثقافة وفكر لتحقيق ذات الأهداف والنتائج.
يقول منظر القوة الناعمة جوزيف ناي: أن حسم الصراعات بالقوة هو أمر أصبح من الماضي، لأن القوة الناعمة لها نفس قيمة ومكانة القوة الصلبة، وتعزز من جاذبية الدولة وقدرتها على التأثير، فهي سلاح مؤثر، ووجودها يحقق الأهداف عبر الجاذبية والإقناع بدل الإكراه والتهديد. والقوة العسكرية لم تنجح في حل المشكلات المعاصرة، فامتلاك أقوى جيش لم يحل على سبيل المثال الأزمات الدولية أو الإقليمية، ولم يعالج قضايا الفقر والجوع والبطالة، ولم يحد من انتشار الأوبئة.
الإعلام والثقافة والعلم والفكر والحوار جميعها من أدوات القوة الناعمة التي أصبحت جزءاً من الثقافة الأردنية ووجدانها، ويمارسها الأردن في سياسته الخارجية على يد جلالة الملك بوصفه الخزان الكبير للقوة الناعمة الأردنية والعربية، ليس لكونه سياسياً بارعاً في إقليم تعصف به الصراعات من مختلف الجهات، لكن لأنه يمتلك حكمة ورؤية واضحة ومنفتحة، ومدرك لما تريده المجتمعات الغربية، وعلى دراية كافية بالجغرافيا السياسية التاريخية للإقليم، ولديه البصيرة والحدس بالمخاطر والهزات السياسية التي قد تصيب المنطقة، ولا يفقد جرأة الأمل مهما كان حجم الأزمات، ومهما تقلص الأفق.
تحول الأردن إلى مذهباً فريداً في القوة الناعمة، بفضل رصيد القوة الأخلاقية التي اكتسبها واستأثر بها، نتيجة المصداقية العالمية لجلالة الملك، وثقافته وقيمه السياسية، وسياسته الخارجية، التي تتقاطع مع القيم المقبولة عالميا، بما ينعكس إيجاباً على المصلحة العليا للدولة، والوصول إلى الهدف والغاية عبر الجاذبية، المرتبطة بقوة الجذب التي يمتلكها تجاه الآخرين، ومستوى ثقافته في مخاطبتهم.
تعتبر القوة الناعمة من أكثر الأساليب استخداماً في هذا العصر، والتخلي عنها ضرب من ضروب الوهم، في ظل التقنيات ووسائل الاتصال الحديثة... فلنراهن على قوتنا الناعمة التي يقودها ملك، ينظر إليه بوصفه أبرع قادة دول المنطقة في التعبير عن نفسه، وعن السياسات المحلية والعربية والإسلامية، بلباقة سياسية ومهنية قل نظيرها، ويتصف بشخصية كاريزمية غير طبيعية في الإقناع وجذب الآخرين وامتلاك محبتهم والتأثير عليهم، فهو يقدم نفسه قدوة للآخرين، لأن الإنسان يكتشف قوته الناعمة عندما يلامس الآخرين ويتصدى لقضاياهم، ولذلك تجده مؤتمن على حمل آمال وطموح الشباب، وهموم وآلام الشعوب التي تسري في عروقه.
كسب السلام أصعب من كسب الحرب، والقوة الناعمة ضرورة لكسب السلام، صحيح أن هذا وقت الغضب، لكنه أيضاً وقت الأمل.