حلمي الأسمر
في بلاد العالم التي تعطي العقل حقه في القيادة والتخطيط واستشراف المستقبل، هناك دور حاسم وكبير لمراكز الدراسات و»الثنك تانكس» حيث يجتمع الدارسون والباحثون والمفكرون في جلسات حوار وعصف ذهني طويلة، لدراسة الوضع الراهن، ورسم طريق المستقبل، زرت قبل ثلاثة أعوام ووفد إعلامي عربي بلدا من هذه البلاد التي تسير وفق رؤى مرسومة بعناية، وحرص مضيفونا على أن نجتمع وزملائي في الوفد الإعلامي، على أن نلتقي تقريبا كل رجال الدولة، إضافة إلى رجال الدولة الآخرين الموازين لهم، القابعين في الظل، أعني هؤلاء الذين يرسمون السياسات، ويضعون الخطط لمواجهتها في المستقبل، ولا يدخرون جهدا في الاستماع إلى كل صاحب رأي، ويستفيدون من خبرات الجميع، سواء كانوا من مؤيدي هذه الدولة أو المعادين لسياساتها!
نحن نلعن «دولة العدوان والاحتلال» صباح مساء، وهذا حقنا، ولكنها واحدة من تلك الدول التي تنتهج تلك الطريق، منذ قامت على أرضنا في فلسطين، في نهاية كل عام نقرأ عن استشراف «عقولها» للمستقبل، ويرسمون خطط مواجهته، قبل يومين قرأت ملخصا لرؤية التقدير السنوي لشعبة الاستخبارات في الجيش الصهيوني «أمان»، وهذه الشعبة واحدة من مراكز العقول المهمة في كيانهم الغاصب، وتقديراتها توضع على الطاولة، ويتخذ بشأنها قرارات وخطط وبرامج للتنفيذ، وأهم ما يتم التركيز عليه في تلك التقديرات احتمالات قيام الحرب، وهذا شيء طبيعي في العقل الجمعي لكيان غاصب قام على العدوان، ولا ينام إلا كما ينام الثعلب، بعين مغمضة وأخرى مفتوحة، أو كما ينام الحرامي المذعور الذي يعرف أنه استولى على ممتلكات الغير، ويتوقع في كل لحظة أن تنشب مواجهة بينهم وبينه!
احتمالات الحرب المبادر إليها وفق تقديراتهم صفرية، ولكن احتمالات التصعيد الذي يتطور عن حدث موضعي سيرتفع جدا، وبالتالي فثمة ازدياد في احتمال قيام حرب، ورغم أنه لا توجد أي جهة في المجال لها نية لفتح حرب مبادر إليها مع «إسرائيل» – لا سوريا وحزب الله في الشمال ولا حماس في غزة أيضا. كل جهة ولها أسبابها. (سوريا وحزب الله منشغلان بإعادة البناء بعد سنوات طويلة من الحرب الأهلية وحماس تتخذ المصالحة الفلسطينية الداخلية أولوية لها) ومع ذلك، فإن إمكان التدهور كنتيجة لحدث موضعي ستزداد جدا في السنة القريبة القادمة. هكذا يقولون..
من التقديرات المهمة لهذه الشعبة، قولهم بأنه لا يوجد في هذه اللحظة خطر على الأنظمة في المنطقة، ولكنهم يتوقعون نشوء تنظيم «إسلاموي» جديد بعد هزيمة داعش شبه التامة، ولا يستبعدون قيام التنظيم الجديد بالهجوم على الكيان، كيف ولماذا ومتى وأين؟ لا تفصيلات، ولكنه استخلاص على جانب كبير من الأهمية!
هذا جانب بسيط من استخلاصاتهم، ورؤيتهم للسنة القادمة، فما هي رؤيتنا؟ وما مخططاتنا؟ من أين وإلى أين، وكيف؟ الله أعلم!
خارج النص تماما:
من النصائح المستقرة في رأسي لأحدهم، وقد نسيت من هو، وهو يعظ أحد «أولياء الأمر»: لا تحط نفسك بمن يقول نعم، بل تخير من يقول لا، واستمع إليه جيدا!
الدستور