حوالي 90% من الصناعات المحلية، لا تختلف في جودتها عن نظيرتها المستوردة إلى سوقنا المحلية. فهمتوها؟!..طيب؛ خذوا هالمعلومة: صناعاتنا المحلية يتم تصديرها الى 125 دولة حول العالم ..هل وصلت؟..حسنا؛ ماذا لو علمنا أن كل دينار تدفعه لشراء سلعة مصنعة محليا، يبقى منه 80 قرشا في رصيد صناعتنا المحلية؟..ما تأثير هذا على الصناعة الوطنية؟:
نسبة العمالة في الاستثمار الصناعي أعلى من نسبتها في القطاعات الأخرى بأضعاف، والدراسات تقول بأنك تحتاج من 10 الى 12 عاملا لتشغيل مصنع، بينما تحتاج 2 الى 3 عمال لتشغيل منشأة استثمارية أخرى، وللذين يملكون ثقافة ما عن الاقتصاد، يمكنهم أن يفهموا حجم التداخلات بين الصناعة وبين كل الحقول الاقتصادية الأخرى، ويكفي القول بأن مساهمة الصناعة المحلية في الاقتصاد الوطني تبلغ حوالي 25%، وحين نأخذ بعين الاعتبار التداخلات مع القطاعات الأخرى، فنحن نتحدث عن قطاع يشكل مع قطاعات استثمارية أخرى ما نسبته 45% من الناتج المحلي الاجمالي..انسوا قصة الأرقام، ودعونا نتحدث بلغة أخرى:
كلهم تجار؛ أولئك الذين نستورد منتجاتهم وبضاعتهم الى سوقنا المحلية، ونتحدث عن جودتها بشكل غير علمي، بسبب غياب ثقافتنا الاستهلاكية، وبسبب الانطباعية «كل افرنجي ابرنجي»، وفي الحقيقة فإن الفروقات بسيطة جدا بين منتج في سوقنا المحلية تم استيراده من بلاد ما وبين المنتج نفسه الذي تقدمه صناعتنا المحلية، وتكون الفروق في الجودة لصالح منتجنا الصناعي المحلي، أعني حين يغيب ضمير التجار خارج الحدود او الذين يذهبون من «عندياتنا» ويستوردون بضاعتهم؛ لكن تلك الثقافة الانطباعية والنمط الاستهلاكي الخاطىء تأتي لصالح المستورد وعلى حساب الجودة غالبا.
دعونا نتحدث عن ثقافة «الجودة وارتفاع سعره في السوق»: كنت أرصد أحد الأشخاص الذين يعانون من مثل هذه الحساسية المفرطة «كان يطبخ الناس حين يشتريله غرض بليرة مصاري»، ولأن الناس لا يملكون ثقافة من أي نوع عن المنتجات المحلية والعالمية، فهم لا يلتفتون الى دقة المعلومة والتصنيف لدى هذا «الملموس» بثقافة استهلاكية غريبة، إذ يجمع كل جيرانه ومعارفه وأصحاب الدكاكين حين يشترى «راديو» أو تلفزيون، وذات يوم اشتريت جهاز كمبيوتر؛ فإذا به يصابحني ويماسيني، يتحدث «ابوالعريف» عن الصناعات والناشونال والجنرال وبال وسيكام ..الخ المصطلحات التي سمعها حين اشترى تلفزيونه، فحسمت كل الكلام معه، وقلت «لا تطبخ سماي بسواليفك، خيوه أنا درست في الجامعة كمبيوتر ولا تحكيلي عن التلفزيونات والجامعات أنا ما بعرف الا التلفزيون الأردني وجامعة مؤتة، وحين أريد التحدث معك عن الكمبيوتر فلا يمكنني لأنك لا تعرف شيئا عن لغة «أسمبلي» ولا عن «الآسكي كود»، روح ادرسهم بعدين تعال نحكي عن الكمبيوترات..»إضحك» تسولف معي كمبيوترات تراني بختلف عن «فلان»، الذي جعلته يدفع أكثر من ثمن التلفزيون الذي اشتراه من كثرة ما غداك وعشاك حين كنت تزوره فكل وقت تحدثه عن التلفزيونات..روح اقرأ عن «البايناري سيستم» وحين تفهمه سأعشيك قلاية ولن تفهمه»..
الخميس الماضي «تغدينا» منسفا؛ أعني هناك في غرفة صناعة عمان، حيث دعانا المهندس موسى الساكت رئيس حملة «صنع في الأردن» الى المؤتمر الاعلامي، الذي جمع حشدا من الاعلاميين، وتحدث خلاله رئيس غرفة صناعة عمان العين المحترم زياد الحمصي، وهي المرة الأولى التي ألتقيه فيها، وقد فهمت بأنه من الصناعيين المعروفين، والأهم من هذا استمتعت بإجاباته على أسئلتي حين أجريت معه لقاء إذاعيا، فأنا في الحقيقة لم أذهب للمؤتر الإعلامي «مؤتمِراً»، بل ذهبت من أجل المنسف، وفي السياق أعددت حلقة من برنامج الاعلام والشأن العام حول حملة صنع في الأردن.. وأكاد أن أنهي مساحة المقالة بهذا الحديث عن الصناعة المحلية، وهو نموذج من حديثنا المعروف عنها، أي أننا لا نتحدث كما يجب، ولا نفس طويلا في الكلام والالتزام، مادامت هذه الثقافة الوطنية غائبة، ولا يفعل الإعلام المحترم شيئا لأجلها، سوى («المنسف»..كما حدث معي)، وطرق مسامع مسؤوليها وصانعيها بأسئلة نمطية على قدر من «عنترية اعلامية»، وفتح وطني مطلوب بتوجيه أسئلة كانت وما زالت الدولة الأردنية تبحث عن أجوبة عليها، ثم نعود الى بيوتنا ولا نقرأ أو نسمع شيئا ذا قيمة عن هذه الحملة الوطنية «صنع في الأردن»، إلا ما جاء بغرض الاستعراض و»غيرو وغيراتو».
على الرغم من وعينا الجمعي إلا أننا لم نعتمد حتى اليوم على ذاتنا، ولعل حملة «صنع في الأردن» التي مضى على انطلاقها 3ثلاث سنوات، هي واحدة من أطواق النجاة، لو طبقنا شعار الاعتماد على الذات الذي أطلقه الأردن ردا على تآمر المتآمرين، الذين يريدون خنق الأردن ليذعن وينفذ مخططاتهم ومغامراتهم، ولعل المؤتمر الاعلامي الذي عقدته حملة صنع في الأردن، هو بحد ذاته استجابة وطنية من قبل غرفة صناعة عمان، ورئيسها زياد الحمصي، ومن الحملة ورئيسها المهندس موسى الساكت، لنقدم ما يجدر بنا تقديمه لثقافة الاعتماد على الذات، لا سيما ونحن نتحدث عن قطاع قدمنا بعض أرقامه في بداية المقالة..
جدير بالاعلام الوطني أن يذود عن الذات الأردنية، فنحن الآن أحوج ما نكون لنفهم بأن لدينا ما يمكننا الاعتماد عليه ويستحق منا كل الدعم والترويج، ونحن بحمدالله لم نتعرض لقنابل نووية كاليابان، التي أصبحت في صدارة الدول الصناعية، ويمكننا أن نكتفي جزئيا من صناعاتنا الوطنية، وهذا أهم محور في حملة صنع في الأردن، وهو محور احترامنا لذاتنا وصناعاتنا.
فالشريف والصادق والوفي لهذا الوطن يعرف بأن الكرامة والصدق والصبر، هي دوما وليس فقط اليوم «صناعة أردنية»
الدستور