انتخابات نواب الأردن 2024 أخبار الأردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب رياضة مقالات مقالات مختارة الموقف مناسبات شهادة جاهات واعراس مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

الزعبي يكتب: الطيبون يرحلون بصمت

مدار الساعة,مقالات
مدار الساعة ـ نشر في 2017/12/15 الساعة 21:06
حجم الخط

مدار الساعة - ابراهيم الزعبي - بيروت


في بداية سبعينات القرن الماضي كانت أولى خطانا لتعلم أبجديات الحرف.. كنا صغارا ولكن أحلامنا كانت بحجم عنفوان الوطن الذي كان ما يزل يقطب جراح نكسة حزيران لينهض من جديد... فكانت المدرسة بالنسبة لنا هي المعسكر الذي سوف يزودنا بسلاح العلم الحقيقي لمواجهة اعداء الامة والنهوض بها.

في أول يوم دراسي لنا في مدرسة علان الثانوية كان الاستاذ نويران النعيمات (ابو محمد) أول رسول علم يعلمنا ابجديات اللغة لنخوض بعدها سبر أغوار العلوم سنين عددا ... والله يشهد ... لم نجد منه يوما - بصفته مربي صفنا - الا أبا حانيا حريصا على ابنائه يستشرف لهم طريق المستقبل بصدق واخلاص .

كنا صغارا وكانت شقاوة الصغر والشغب في حصة الدرس تستهوي الكثير منا ... وعندما كان يزعجه تصرف أحدنا .. كانت ردة فعله كهدوء طبعه ... يخرج من جيبه (علبة الهيشي والقداحة) ويلف سيجارته ويدخنها بصمت حتى يسود غرفة الصف الصمت ، لم يكن كغيره من المعلمين ممن يتلذذون بمعاقبة تلاميذهم بالعصا... .فكم أخطأنا وكم قصرنا وكم أهملنا، ولكننا لم نجد منه إلا ما نجد من أبٍ حريص على أبنائه، ومربٍ متفانٍ فـي عمله، ومعلمٍ ساعٍ إلى هدفه .

أستاذنا المبجل ... في يوم رحيلك، لم أجد فـي قاموس الكلام ما يعبر عما نكنه لك من مشاعر الحب والشكر والعرفان ، فقد كنت لنا القدوة الصادقة ، والبحر الذي ننهل من علمه وفقهه وأخلاقه، والسراج الذي أضاء لنا الطريق ، لقد كنت لنا الأب والمعلم والمربي، لقد زرعت فـي قلوبنا المحبة والتضحية والأخلاق وحب العلم.

أيها الراحل بصمت.. بعض الأعمال يغادر أصحابها ثم بعد وقت يطويهم النسيان ولا يبقى لهم أثرا أو صيت، إلا المعلم، ففضله ممتدٌ عبر الأجيال، وذكره باقٍ عبر الأزمان، يبقى أثره ، ويتردد في الأصقاع اسمه ، لا تمحى بصمته، ولا تنسى محبته.

استاذنا المبجل ... ونحن نودعك اليوم وقد أديت رسالتك ـ بفضل الله وكرمه ـ على أكمل وجه، وأتممت مهمتك على أروع صورة ، نقول لك: شكراً بلا حد، وامتناناً بلا عد، وباقات من المحبة والعرفان والود، نزجيها لروحك الطاهرة، وتاكد أن من سعيت في تعليمهم وتقويمهم وتهذيبهم لن ينسوا جهدك ولن ينكروا فضلك، وسيحملون لك في قلوبهم دوما مشاعر الشكر والعرفان.

ما أصعب لحظات الوداع وما أقساها خاصة لإنسان تحبه، فكيف إن كان هذا الإنسان قد منحك من وقته وجهده وعلمه وتجاربه وخبراته الكثير فـي سبيل تعليمك وتنويرك وتثقيفك وتحطيم أسوار الجهل وجدران الأمية من أمامك، وتمهيد الطريق لك لتنطلق بكل عزم وثقة وإصرار وقد تسلحت بسلاح المعرفة والعلم النافع.

استاذ نويران ... لا زلنا نحفظ صنيعك ونصائحك عن ظهر قلب، فلترحل في سلام الله.. ولك منا صلواتٌ وفاتحةٌ ودعاء إلى الله بأن يطمئن روحك ويرحمك ويغفر لك ويسكنك جناتٍ النعيم ... ودائما هم الطيبون يرحلون بصمت.

مدار الساعة ـ نشر في 2017/12/15 الساعة 21:06