مدار الساعة - تنطلق القمة الخليجية الـ38، اليوم الثلاثاء في الكويت، وتستمر لمدة يومين، وهي قمة عادية في ظل ظروف غير عادية، يتوقع أن يكون لها تأثير على جدول أعمالها، وبيانها الختامي، بل وحتى طموحات دولها الأعضاء.
فالقمة تنطلق في ظل أزمة حادة تعصف بالمنطقة جراء مقاطعة السعودية والإمارات والبحرين ومصر لقطر، منذ 6 شهور، وتحديدًا منذ 5 يونيو/ حزيران الماضي، بدعوى "دعم الإرهاب"، وهو ما نفته الدوحة مراراً.
وعلى خلفية تلك الأزمة انخفضت طموحات شعوب دول الخليج من القمة، فبينما كان الخليجيون يعوّلون عادة في السنوات القليلة الماضية على قمم قادتهم أن يتم خلالها إعلان "الاتحاد الخليجي"، أضحوا يترقبون قمة الكويت وجلّ آمالهم أن تبقي على "مجلس التعاون الخليجي" وتحافظ عليه من الانهيار وتنهي الأزمة التي تعصف به وتهدد كيانه.
كما تأتي القمة غداة مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، أمس، الأمر الذي يتوقع أنه يكون له تأثيره على مسار الحرب في اليمن، الذي يشارك فيها تحالف يضم 4 دول خليجية (السعودية والكويت والإمارات والبحرين).
كذلك تأتي القمة في ظل "توجهات" أمريكية محتملة لتغيير الوضع السياسي لمدينة القدس المحتلة، ونية الرئيس دونالد ترامب اعتبارها عاصمة لإسرائيل، أو نقل سفارة بلاده من تل أبيب إليها.
كل هذه الموضوعات وغيرها يتوقع أن تكون أبرز الملفات على أجندة قادة مجلس التعاون في قمته التي تضم الدول الستة (السعودية والكويت والإمارات والبحرين، وقطر، وعمان)، ويمكن تفصيلها في السطور التالية:
** الأزمة الخليجة.. وحلم الاتحاد
تعود فكرة تأسيس الاتحاد الخليجي إلى الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز (2005 - 2015)؛ عندما دعا خلال قمة الرياض، في ديسمبر/كانون أول 2011، إلى انتقال دول الخليج من مرحلة التعاون إلى الاتحاد.
وهو توجه أيّدته دول المجلس عدا سلطنة عمان، حيث أعلن وزير خارجيتها، يوسف بن علوي، معارضة بلاده صراحة للمرة الأولى في ديسمبر 2013، وكرر الرفض في أكثر من مناسبة، واعتبر أن "المجلس يكفي"، وليس هناك حاجة للاتحاد وأن بلاده "لن تكون عضوا فيه".
ورأى بن علوي، أن التماسك الخليجي لم يصل إلى إمكان تحول مجلس التعاون إلى "اتحاد" مثلما تطمح بعض دوله، وقال: "لسنا مؤهلين له الآن".
ورغم المعارضة العمانية إلا أن ملف "الاتحاد" أضحى بندا ثابتا على القمم الخليجية منذ طرحه.
وارتفع سقف التوقعات بشكل كبير قبيل القمة الخليجية الأخيرة في البحرين في ديسمبر 2016، على أن يتم إعلان "الاتحاد الخليجي"، لكن قادة الخليج، رحلوا ملف "الاتحاد" إلى قمة الكويت الحالية، عبر توجيههم في بيانهم الختامي "بالاستمرار في مواصلة الجهود للانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد (..)، ورفع ما يتم التوصل إليه إلى المجلس الأعلى في دورته القادمة (في الكويت 2017)".
واتفق القادة في قمتهم الأخيرة على تعزيز التعاون بينهم "وصولاً لتطبيق قرارات المجلس الأعلى فيما يتعلق بتحقيق المساواة التامة في المعاملة بين مواطني دول المجلس في مجالات السوق الخليجية المشتركة".
وأكد القادة في قمة البحرين "أهمية الاستمرار في تعميق مجالات التكامل في المجالين الاقتصادي والتنموي لدول المجلس بعدة مجالات من بينها: سير العمل في المجلس النقدي الخليجي، وسكة حديد دول مجلس التعاون، والسوق الخليجية المشتركة".
كما أكدوا على "تعزيز العمل الخليجي المشترك في المجالات العسكرية"، وعلى"مواقف دول مجلس التعاون الثابتة تجاه الإرهاب والتطرف (..) والتزامها المطلق بمحاربة الفكر المتطرف الذي تقوم عليه الجماعات الإرهابية".
دخل الخليجيون عام 2017، على أمل المضي قدما في السعي نحو تحقيق تلك المشاريع المشتركة في المجالات الاقتصادية والأمنية والعسكرية، في خطوة تقربهم من حلم الاتحاد.
لكن لم ينته الشهر الخامس من 2017، إلا وبدأت بوادر أزمة تطل بوجهها في منطقة الخليج، عقب اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية في 24 مايو/ آيار الماضي، ونشر أخبار مزيفة ونسبها لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد، تنطوي على سياسيات تخالف سياسات دول مجلس التعاون.
ورغم نفي الدوحة صحة تلك التصريحات، سرعان ما تطورت الأزمة بإعلان السعودية والإمارات والبحرين ومصر في 5 يونيو الماضي قطع علاقاتهم مع قطر.
الأزمة الخليجية التي لم تنته حتى اليوم، لم تعطل مشاريع التعاون الخليجي فقط، بل أصابت منظومة مجلس التعاون بالشلل، وهددت استمرار بقائه.
وهو ما عبّر عنه أمير الكويت صراحة محذرا في كلمة له في 24 أكتوبر/تشرين أول الماضي من تصدع وانهيار البيت الخليجي، كما عبر عن الأمر نفسه وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبدالرحمن، في تصريحات له قبل يومين أشاد فيها بالجهود التي بذلها أمير الكويت "لإبقاء المنظومة الخليجية على قيد الحياة بدعوته لهذا الاجتماع (القمة الخليجية)".
وقال "آل ثاني"، إنه "من المفترض أن تتمخض هذه القمة عن آلية واضحة لوضع حد للأزمة الخليجية التي استمرت 6 شهور".
وأصبح أقصى آمال الخليجيين، إنهاء الأزمة مع قطر وعودة مجلس التعاون إلى وضعه الطبيعي، وإزالة كل ما رافق الأزمة من إجراءات، ترجع بالمجلس سنوات إلى الخلف مع فرض البحرين تأشيرات على القطريين لدخول أراضيها في نهاية أكتوبر الماضي.
وتبدو آمال الخليجيين بسيطةً مقارنة بطموحاتهم نحو الاتحاد، إلا أنها تظل صعبة التحقيق.
فقبيل ساعات من انطلاق القمة، تتواصل أجواء الحرب الإعلامية بين الدول أطراف الأزمة، الأمر الذي يوحي بصعوبة تلك المهمة، وإن كانت ليست مستحيلة، كون اجتماع القادة ينعقد لأول مرة منذ الأزمة هو في حد ذاته أمر إيجابي.
ومن غير المستبعد أيضا تأجيل ملف الأزمة الخليجية برمته، وترحيله إلى اجتماع لاحق، أو للوساطة الكويتية لتقديم تصور لحل الأزمة.
ويبقى هذا الأمر مرهون بقدرة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح على تحقيق اختراقات في جدار الأزمة، والرغبة الحقيقية للدول الأطراف فيها وضع حل لها.
** مستوى التمثيل في القمة
الأزمة كان لها تأثير أيضا على الضبابية التي أحاطت مستوى تمثيل الدول في القمة، وحتى صبيحة انطلاقها، لم تعلن سوى قطر وعمان رسميا عن حجم تمثيلها في القمة.
وإضافة إلى أمير الكويت الذي تترأس بلاده القمة، يترأس أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وفد بلاده، فيما يترأس نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بسلطنة عمان، فهد بن محمود وفد بلاده، حيث يغيب السلطان قابوس بن سعيد منذ عام 2011 عن حضور القمم الخليجية.
ولم تعلن الدول الخليجية المقاطعة لقطر (السعودية والإمارات والبحرين) حتى صباح اليوم رسميا عن مستوى تمثيلها.
وقال مصدر دبلوماسي للأناضول، إن العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، سيترأس وفد المملكة في القمة الخليجية.
** مقتل علي عبدالله صالح
أيضا فإن القمة تأتي غداة مقتل الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، الأمر الذي يتوقع أن يكون له تأثيره على مسار الحرب في اليمن، وسط توقعات أن يكون هناك إدانة لمقتل صالح ولتصرفات جماعة "الحوثي".
كما يتوقع أن يعيد قادة دول الخليج في بيانهم الختامي التأكيد على الالتزام الكامل بوحدة اليمن واحترام سيادته واستقلاله ورفض أي تدخل في شؤونه الداخلية.
وكذلك التأكيد على أهمية الحل السياسي وفق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل ومؤتمر الرياض، والتنفيذ الكامل غير المشروط لقرار مجلس الأمن رقم 2216 (2015).
والمبادرة الخليجية، اتفاق رعته دول الخليج في العام 2011 وحلت محل الدستور اليمني، وتنص على أن هادي هو الرئيس الشرعي للبلاد حتى إجراء انتخابات رئاسية جديدة.
ومؤتمرالحوار الوطنى الشامل انعقد خلال الفترة من مارس/آذار 2013 حتى يناير/كانون ثان 2014 ونص على تقسيم اليمن إلى دولة اتحادية من 6 أقاليم، 4 في الشمال و2 في الجنوب.
** القدس
أيضا تأتي القمة غداة إعلان البيت الأبيض، أمس الإثنين، أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أجّل قراره بشأن نقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلى القدس، على أن يتخذ القرار في هذا الشأن "خلال الأيام القليلة القادمة".
ومؤخراً، تداولت وسائل إعلام أمريكية تقارير بشأن اعتزام ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل.
ومطلع يونيو/حزيران الماضي، وقّع ترامب، الذي تولى السلطة في 20 يناير/كانون ثاني الماضي، مذكرة بتأجيل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس لمدة 6 أشهر.
واحتلت إسرائيل مدينة القدس الشرقية في العام 1967، وأعلنت لاحقًا ضمها إلى القدس الغربية، معتبرة إياها "عاصمة موحدة وأبدية" لها؛ وهو ما يرفض المجتمع الدولي الاعتراف به.
ويتمسك الفلسطينيون بمدينة القدس الشرقية عاصمة لدولتهم المأمولة.
ويتوقع أن تكون التطورات بشأن القدس على أجندة القادة الخليجيين أيضا.
** ملفات روتينية
وإلى جانب ملفات العمل الخليجي المشترك، يتوقع أن يتعرض البيان الختامي للقمة لموقف دول الخليج من الأوضاع في الأراضي الفلسطينية وتطورات النزاع العربي ــ الإسرائيلي، والاحتلال الإيراني للجزر الثلاث التابعة للإمارات العربية المتحدة، والعلاقات مع إيران، ومواقف دولهم من أزمات سـوريا ولبنان ومسلمي الروهنغيا، وهي ملفات شبه ثابتة على جداول أعمال القمم الخليجية.
وبخصوص العلاقات مع إيران، يتوقع أن يجدد قادة الخليج رفضهم "التام لاستمرار التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول المجلس والمنطقة"، وأن يدعوا طهران إلى "الكف الفوري عن الممارسات التي تمثل انتهاكاً لسيادة واستقلال دول المجلس".
ويبقى الملف الأبرز والأهم هو ملف الأزمة مع قطر، الذي يعد نجاح القمة في إنهائه أو القيام بأي اختراق في جدار أزمته هو الفيصل في تقييم أعمال القمة.
الاناضول