ما بين الشهيد وصفي التل الذي نقف على بعد ساعات من ذكرى استشهاده، وما بين المرحوم شاهر أبو شحوت الذي مرت قبل أيام ذكرى وفاته، حبل متين من القيم والمفاهيم، التي آمن بها الأردنيون، وأولها قوميتهم التي شكلت العمود الفقري لوطنيتهم، وثانيها العداء المستحكم للمشروع الصهيوني، الذي رأوا فيه ومازالوا خطراً يحيق بأمتهم، وأن اجتثاثه هو أولوية شكلت عهداً يجمعهم، ولعل سيرة الشهيد وصفي التل والمرحوم شاهر أبو شحوت تشكلان تجسيداً حياً لموقع فلسطين في الوجدان والفكر والسلوك الأردني.
بدأت العلاقة بين الشهيد وصفي، والمرحوم شاهر في فلسطين، عندما كان كلاهما يقاتل دفاعاً عن عروبتها، حيث يقول أبو شحوت في مذكراته غير المنشورة عن ذلك"التقيت هناك بالملازم الأول وصفي التل الذي كان ضابطاً متطوعاً في الجيش البريطاني، وتحدثنا طويلاً في شؤون شتى وسألته عن حياته العسكرية فأجاب " أتمنى لو أنني معكم في الجيش العربي وقال " إن أياماً عصيبة مقبلة على فلسطين، ولن ننتصر بهذه الطبول والزمور التي تراها هنا ولابد لكل عربي أن يلبس الخاكي دفاعاً عن فلسطين"
يكتشف أبو شحوت وبعد سنوات طويلة، أن وصفي استدان من والد أبو شحوت ما يعينه على السفر إلى فلسطين، ليتطوع مقاتلاً دفاعاً عنها، وعن هذه الواقعة كتب أبو شحوت "جاءني ضابط مخفر المحطة ليبلغني بأن دولة رئيس الوزراء وصفي التل يطلبني لزيارته غداً صباحاً في مكتبه بالرئاسة، وذهبت في اليوم التالي إلى مكتبه فتلقاني معانقاً ومرحباً بحرارة وجلس بقربي على أحد المقاعد الوفيرة في مكتبه وقال لي " أنا كنت في السجن المركزي عندما كان والدك مديراً للسجن، ولما أطلق سراحي استدنت منه مبلغ سبعين جنيهاً لاسافر إلى فلسطين والتحق بقوات المتطوعين العرب في الجيش البريطاني ولم يقل لي والدك يرحمه الله أنه لا يملك هذا المبلغ وإنما ذهب إلى جميل الصالح حتر واستدانه منه وقدمه لي عن طيب خاطر، وترك لي أمر السداد إلى أن أكون قادراً على ذلك، وها أنا ذا مدين لك الآن وأريد أن أرد لك الجميل فاطلب أي مبلغ تحتاجه، شكرته من أعماقي وأنا أعجب لهذا الوفاء النادر وأكدت له أنني لست محتاجاً لشيء ".
وبعد أن وضعت الحرب أوزارها عام 1948، لم يعترف الأردنيون بالهزيمة وأخذوا يعدون العدة لاستئناف القتال،وعن ذلك كتب أبو شحوت "وخلال تلك الفتره كان المرحوم عبدالله التل (الحاكم العسكري في القدس) يزورنا كثيراً ويحثنا على التمسك بخط سياسي يرفض الهزيمة ويدعو إلى جولة عسكرية جديدة لتحرير فلسطين".