أخبار الأردن اقتصاديات خليجيات دوليات مغاربيات برلمانيات وفيات جامعات وظائف للأردنيين رياضة أحزاب مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات شهادة مناسبات جاهات واعراس الموقف مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

«البدوي ما يبوق»

مدار الساعة,مقالات
مدار الساعة ـ
حجم الخط

بقلم: محمد عبد الكريم الزيود

قالتْ لي: "لأنكّ بدوي والبدوي ما يبوق"... ثم مضتْ، قالتها بوفاءٍ وخجل، ولم تعلم أنّ الدنيا تتغيّر، وأنّ الوجع لا تترجمه اللغات...

البدو يا عزيزتي آخر ما تبقى من النقاء والصدق والفروسية، وإنْ غابتْ المراعي والصحاري وضاقتْ البلاد بالأحرار ، وماتتْ الأصايل ، وثلمتْ السيوف ، فإنّ البداوة حاضرة بقيمها وأخلاقها وثقافتها، ولا يغرّنكَ دور الحجر ولبس البدلات والربطات والعطر الفاخر، فإنّ النفوس ما زالتْ تسكنها روح التمرد والطيب ورفض الضّيم، وشجاعة لا يدانيها الفولاذ صلابة وحرارة، ورقّة وشاعرّية تشبه الغيّم وأول الندّى، وروح توّاقة للعشق حاضرة كلمّا هزّ القلب ريحا رطبة.

البدوي والبداوة في بلادنا أبناء القبيلة والقبائل، هم من أنتجوا الشهداء فجذبتهم دروب العسكرية مبكرا، ثم حملوا أرواحهم على أكفهم وقطعوا " الشريعة" وهم " يحدون " ، وعندما إشتعل الرصاص والبارود سكبوا أرواحهم ناراً على الأعداء، لم يهتزّ لهم رمش ، ولمْ يكتب أنّ أحدهم تراجع، وأنهم عندما إقترب الموت تسابقوا إليه فرسانا وشهداء.

البدو هم من أنتجوا القصائد، وأنبتت صحاريهم العشاق والفرسان، البدو رفقاء الربابة والخسارات والوجع، هل مرّ بكِ اسم نمر بن عدوان وعقاب العجرمي ، وعبدالله اللوزي وزناد البلقا وإبن غدير، هل سمعتِ لفارس عوض، حتى حبيب الزيودي كان بدويا مسكونا بالبدو وناطقا بإسمهم، وكتب لبناتهم وفرسانهم، ونثر قصائده ومغانيه كالقهوة السمراء كل صباح.

كلّ شيء في بلادنا يا عزيزتي إستبدلوه وحاربوه، راحتْ المراعي وموارس الباميا والفقوس مغاريب عمان، وأقاموا مقاهي ومولات، وزرعوا بلادنا بكل شيء لا يشبهنا، المهم أنه مستورد وعلى الموضة، ويحاولون ويحاربون الوجدان الأردني المتكئ على كل قيم البداوة والبدو، وكل ما فيها من قيّم وعادات طيبة، حاربوا البداوة حضورا وثقافة، وربطوا البداوة بالتخلّف وقلّة التعليم والمناطق الأقل حظا، وجيوب الفقر، همّشوا كل تفاصيل البدو الأصيلة، وإختصروها بصاج خبز "شراك" في بازار مهرجان، وبيوت شَعر يجلس السياح فيها، وشمغ وعباءات رخيصة، وتاجروا بقيّم البداوة عندما تحوّلت إلى مسلسل بدوي وعين ماء وغزل وغزو، وبهدلوا لباسهم عندما أصبح يلبسه مضيف يصبّ القهوة السادة على أبواب الفنادق والمطاعم.

البدوي ما "يبوق" عزيزتي ولكن في بلادنا "يبوقون" بكل شيء، لم يكتفوا أنهم باعوا كل شيء، الآن يبيعون الوجدان والروح، ويشلعون آخر ما تبقى لنا من الجذور، ففي سيبل ٌاقامتهم "لدولتهم المدنية " يجب أن نكتفي بأسمائنا من ثلاثة مقاطع فالعشيرة أصبحت "شتيمة" ومرادفا للواسطة والعنف، مطلوب أن تكون "مدنيا" و"ليبراليا" حتى قيم الشرف أصبحتْ قيم نسبية، والدين في نظرهم سبب الإنغلاق ومقيد للتحرر ومشجعاً للغلو والتطرّف، مطلوب أن تكون أقل حرارة وغيرة وتنحني وتقبّل يد نسائهم من باب المجاملة، وتحضر ورشات الفنادق ومنظمات "الأن جي أوز" عن مكافحة التصحر والتحرّش وزواج القاصرات.

سأبقى يا عزيزتي بدويا "ما يبوق" ، فإن تغيرّتْ الدنيا لن نتغيّر، "وإن تبدّلت الأيام حنّا ما تبدلنا "، فكل شيء يباع ويستبدل ، إلاّ القلوب والوجدان فإنّها لا تباع ، سأمضي مثلكِ وسأقبض على جمر بلادنا ، ولكن أنا مؤمن مثل الكثيرين في بلدي أنّ البلاد ربما تتوه ولكن لا تضيع ..!!

مدار الساعة ـ