مدار الساعة - جلست السيدتان أم محمد وأم علاء تشربان الشاي فوق تلٍ تحيط به الأشجار الحرجية، تتأملان بقلق مشهداً طبيعياً يتهدده قرار للحكومة الأردنية بإنشاء محطة تحويلية للنفايات الصلبة مكانه في بلدية المعراض بمحافظة جرش (50 كيلومتراً شمال عمّان).
تطل السيدتان من فوق التل على محطة لمعالجة الصرف الصحي، أنشئت قبل أكثر من خمس سنوات، لكن على بعد أمتار من مكان جلوسهما ستقام المحطة التحويلية فوق أشلاء أشجار معمرة اقتلعت مؤخراً.
تقول أم محمد: "نأتي إلى المكان عند نهاية كلّ أسبوع، ويأتي المتنزهون من جميع مناطق المحافظة ومن مختلف أنحاء الأردن، لكن عندما تنشأ محطة النفايات لن يأتي أحد". السيدة التي تمتلك منزلاً في قرية قريبة وأرضاً ملاصقة لمحطة الصرف الصحي، تشعر بالأسف على الواقع الذي انتهى إليه المكان: "كان المكان جنة قبلها، أشجار كثيرة اقتلعت من أجل بنائها، والآن بعد محطة النفايات ستخرب المنطقة إلى الأبد".
تعود القضية إلى ديسمبر/ كانون الأول 2015 عندما أصدر مجلس الوزراء قراراً بالسماح لوزارة البلديات بإقامة المحطة التحويلية على قطعة الأرض المصنفة حرجاً، مشترطاً المباشرة بالتنفيذ خلال سنتين والانتهاء خلال خمس سنوات. وفي الوقت الذي يفترض بقانون الزراعة حماية الأراضي الحرجية والحفاظ عليها، فإنه يجيز لرئاسة الوزراء الموافقة على إقامة مشاريع عامة فيها.
تؤيد أم محمد، حالها حال سكان المنطقة، إقامة مشاريع عامة، لكنّها تؤكد أهمية أن تكون المشاريع ملائمة لطبيعة المكان. تقول: "فلينشئوا مشاريع سياحية، ومتنزهات بيئية، لا محطة نفايات".
أعلن رسمياً عن تنفيذ المشروع في أبريل/ نيسان 2016، وأوصت الجمعية العلمية الملكية بالمشروع بناءً على دراسة الأثر البيئي، لكنّ أهالي المنطقة والقرى المجاورة أعلنوا معارضتهم للمشروع، ونفذوا بالتعاون مع جمعيات بيئية حملة للمطالبة بنقله إلى مكان آخر.
يقول محمد محارب، الذي يبعد بيته أقل من كيلومتر واحد عن المكان: "نحن لا نعترض على المشروع، بل على مكان إقامته. لا يقبل العقل والمنطق أن تكون وسط هذا المنظر الجميل محطة نفايات".
يفسّر رئيس "الجمعية الأردنية لحماية الأرض والإنسان" محمد عارف أسباب معارضته موقع المشروع: "نعارض المشروع لأنّنا ندافع عن الوطن بمواطنيه وأشجاره وطبيعته". يشير إلى أنّه عضو في تحالف مدني لمناهضة المشروع "هناك كثير من المناطق الصحراوية في المحافظة يمكن اختيار أيّ منها مكاناً للمشروع ولن يعترض أحد، لماذا يصرون على إقامته فوق الأشجار ووسطها؟".
في سبتمبر/ أيلول 2016 أقدمت آليات بلدية جرش، في منتصف الليل، على قطع أشجار الملول (من أنواع السنديان) المعمرة من قطعة الأرض التي يطلق عليها سكان المنطقة اسم "البلوط العقبي". يقدر السكان والجمعيات البيئية عدد الأشجار المقطوعة بين 8 شجرات و12 شجرة يتراوح عمرها بين 500 و700 عام. يعلق عارف: "قطعوها في منتصف الليل، ليزعموا عدم وجود أشجار في المنطقة".
يخالف قطع الأشجار قانون الزراعة في مادته رقم 35 فرع ب التي تنص على أنّه "يحظر قطع أيّ من الأشجار الحرجية المعمرة أو النادرة والنباتات البرية المهددة بالانقراض أو إتلافها أو الاعتداء عليها بأيّ شكل من الأشكال".
وفي سبتمبر الماضي عند منتصف الليل أيضاً، أقدمت الآليات على تجريف الأرض المخصصة لإقامة محطة النفايات. أثار الأمر غضب الأهالي والجمعيات البيئية، ويرى المواطن عدنان الطاهات أنّ الحكومة تريد فرض أمر واقع على السكان "قلنا لهم إنّنا لا نريد المشروع هنا، لكن لا أحد يسمع صوتنا. الملك أطلق شعار الإنسان أغلى ما نملك، وهذا المشروع يبتعد عن الشعار لأنه سيؤثر على الإنسان والأرض والأشجار والطيور". يتابع: "عندما قرروا إنشاء محطة الصرف الصحي اعترضنا، وعدونا أنّها لن تؤثر علينا، واليوم نعاني من الروائح الكريهة. محطة النفايات ستدمر ما بقي من المنطقة". يشبّه الطاهات العاملين على تنفيذ المشروع بـ"خفافيش الليل" ويتساءل: "لماذا يعملون في منتصف الليل، إذا كان العمل رسمياً، ومرحباً به من السكان؟".
تتخوف رئيسة "جمعية دبين للتنمية البيئية" هلا مراد من أن تتحول المنطقة عند إنشاء محطة النفايات إلى نقطة جذب للكلاب الضالة والقوارض. تقول: "بالإضافة إلى المخاطر البيئية توجد مخاطر على حياة الأطفال نتيجة للحركة المتوقعة لناقلات النفايات، إذ هناك مدرسة ابتدائية على بعد 400 متر من موقع المحطة".
علاوة على الخسائر البيئية، ينتظر مالكو الأراضي خسائر اقتصادية فادحة، على غرار ما تعرضوا له عند إنشاء محطة الصرف الصحي. فقد تملكت الحكومة عند إنشاء محطة الصرف أربع دونمات ونصف من أرض يملكها عدنان الرماضنة، مقابل 14 ألف دينار أردني (نحو 20 ألف دولار أميركي) للدونم الواحد، ويكشف أنّه اضطر لبيع خمسة دونمات متبقية من أرضة بـ 5 آلاف دينار (7050 دولاراً) للدونم "بعد إنشاء محطة الصرف، لم يعد أحد يرغب بشراء الأرض، وانخفض سعرها بشكل كبير، وبعد محطة النفايات ستنخفض أسعار الأراضي أكثر".
في المقابل، وبحسب تقرير نشرته مؤخراً وكالة الأنباء الأردنية "بترا"، استناداً إلى وثائق المشروع، ستوفر المحطة 100 وظيفة لأبناء المنطقة، كما سيساهم في تخفيف كلفة نقل وتجميع النفايات بنسبة 75 في المائة. ونفى التقرير أي آثار بيئية تهدد المنطقة.
لكنّ علي العزام، وهو أحد سكان المنطقة ويعمل مقاولاً، يؤكد أنّ للمشروع آثاراً اقتصادية كارثية "في المنطقة أكثر من 150 مستثمراً أقاموا مشاريع زراعية توفر فرص عمل للسكان، ومنذ بدء العمل في المحطة تراجع حجم الاستثمارات". يتابع العزام: "بدأت المشاريع بالهرب من الروائح الكريهة الناتجة عن محطة الصرف الصحي، وشجعتها على الهرب محطة النفايات. فلو أنّهم فعلاً حريصون على توفير فرص عمل لأهالي المنطقة فليوفروها من خلال مشاريع سياحية وبيئية لا مشاريع كارثية".(العربي الجديد)