مدار الساعة - كتب: د.نبيل العتوم - لم تضع الحرب ضدّ (داعش) وأخواتها أوزارها بعدُ، حتى فُتحت جبهة الصراع بين (واشنطن- وطهران) على مصراعيها بعد الاستدارة السياسية الأميركية الكاملة، الذي تشي التطورات بأنه سيتصاعد، وسيكون عنوان المرحلة المقبلة بامتياز. فالأمر مختلف هذه المرة عن السابق، نتيجة لإعلان (ترامب) عن إستراتيجية جديدة ضدّ إيران ووكلائها ومرتزقتها، بالمقابل تمارسُ طهران سياسة الإحماء للنزول بكامل أوراقها من مليشيا ومرتزقة وخلايا نائمة، ولتُلقي أساساً بثقلها في هذا الصراع، متوعّدة بتفجير الإقليم العربي برمته.
المتابعون لأسرار السياسة الإيرانية، يدركون تماماً أن تداعيات الربيع العربي، والسياسات الأميركية العبثية في عهد بوش الابن، وأوباما كانت أكبر "هدية" قُدّمت على طبق من ذهب لإيران، حيثُ يمكن اعتبار ما جرى في المنطقة قد جاء بسبب التدخلات الإيرانية بمثابة "اللعنة" التي حلت بالمنطقة، نتيجة إلى ما قامت به من تفجير للقنبلة النووية المذهبية التي أرجعت المنطقة قروناً إلى الوراء، بعد أن تم تدمير قدرات دول أساسية كانت تُشكل حجر الزاوية في رحى الأمن القومي العربي؛ وفي مقدمتها العراق الذي كان يمثل جدار برلين العربي وبغيابه اختل التوازن لصالح قوى كإيران، ما جرى بالتأكيد لم يكن حدثاً عادياً في المنطقة، باعتبار حجم التأثير والدور الذي كان يضطلع به، وغياب فكرة البديل الإستراتيجي.
الأخطرُ من ذلك أنَّ الإطاحة بالعراق قد أسهمت في تفجير أكبر قنبلة مذهبية وطائفية في التاريخ الحديث، حيث باتت تعيش المنطقة العربية ومنذ نيسان عام 2003م، وهو تاريخ احتلال إيران للعراق، وحتى يومنا هذا حلقات تراجيدية من الدراما الدموية السوداء ممثلة بالأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والعسكرية التي فتت الجسد العربي ومزقته أشلاء .
جُلنا نفهم إيران، النظام الدموي الطامح لتدشين إمبراطورية الخلاص الإلهي مهما كلّف ذلك من.تقديم قرابين بشرية عربية، ووفقاَ لنبوءات يطلقها أبطال الحوزات من خلال فتاوى معدّة سلفاً للتبشير بعودة (المخلص الموعود)، الذين تذكرني فتاواهم بأفلام مصاصي الدماء .
لكننا في الحقيقة ما نودّ إعلانه أيضاً أن إيران تستعدُّ بجدّ لتسخير كل ما تضع يدها عليه من كروت إقليمية لزجّها في ساحات المواجهة مع واشنطن، وممارسة هوايتها المضلة من خلال البراعة في توظيف حروب الوكالة. انسجاماً مع ما أعلنه (إبراهيم يزدي)، وهو أحد أقطاب المعارضة الإيرانية ووزير خارجية سابق: ” إن آخر حرب مباشرة خاضتها القوات المسلحة الإيرانية كانت أمام العراق، وانتهت عام 1988م. لتكون بذلك آخر حرب مسلحة مباشرة تخوضها إيران، وكان الخميني بحاجة لها بشكل عاجل ليحرق بذلك ما تبقى من قوات الشاه المهزومة، وهذا سيؤدي إلى التخلص منها، بعد الزج بها في أتون حرب مدمرة خشية من انقلابها وبالتالي الإطاحة بالثورة الوليدة".
بعد الثورة صار الجيش النظامي الإيراني وقوات حرس الثورة يُقاد من قبل المرشد، وتم على ضوء تجربة إيران إيكال مهمة معارك إيران الخارجية إلى شبكة الأمان "المصدات"، والتي هدفها إبعاد خطر الحروب عن الحدود الإيرانية؛ مُمثلة بالمليشيات والخلايا والشبكات الإرهابية التي جهدت إيران في بنائها على امتداد الجغرافيا العربية ؛ «حزب الله وأنصار الله بفروعه» في لبنان والبحرين وجزيرة العرب واليمن، وأكثر من 31 مليشيا متعددة الجنسيات بأسماء وألقاب ما أنزل الله بها من سلطان ، كلها تحارب تحت إمرة ولي أمر "المسلمين" خامنئي، وبدعم وتوجيه من “رامبو إيران ” الجنرال قاسم سليماني .
بموازاة ذلك بشرتنا طهران أنها ستدير في قادم الأيام حرباً لا هوادة فيها في حال قامت إدارة ترامب بإلغاء الاتفاق النووي، وتسابق مسؤولو النظام متوعدين بالويل والثبور من أن طهران ستقلب الطاولة على ترامب في العراق وسوريا ولبنان وأفغانستان.. والقائمة تطول والجغرافيا تتسع، هذا عدا عن توقعها بقرب سقوط صواريخ الحوثي على السعودية وأبوظبي ومفاجأة غير ساره في البحرين.
طبعاً لا نستبعد كذلك إعادة تحالف إيران مع القاعدة ، وداعش وأخواتها، ويصبح قادتها في ضيافتها كعادة الولي الفقيه، حتى تتمكن طهران من الاستمرار في شن حروبها وإلحاق الضرر بالعالم العربي وتدميره؛ مما يدفعنا للتساؤل: هل يُعدّ تفجير المنطقة العربية مطلبًا إيرانيًّا عاجلاً لمواجهة واشنطن؟