انتخابات نواب الأردن 2024 أخبار الأردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات مقالات مختارة مناسبات شهادة جاهات واعراس الموقف مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

إلى الراحل والدي

مدار الساعة,مقالات
مدار الساعة ـ نشر في 2017/10/18 الساعة 17:46
حجم الخط

الحمد لله الذي خلق السماء , الحمد لله الذي جعل فيها الضيا , الحمد لله الذي خلق الانجما وجعل فيها عبرة وعظا , والصلاة والسلام على حبيبنا محمد ابن عبد الله وعلى اله وصحبه اجمعين ..

لست يتيما بميزان قوانين اليتم المعروفة , الا أني أعاني مشاعر اليتيم التي لا تحتاج الى كثير من الموازين لتعرف ثقلها على النفس , لست يتيما لأني تجاوزت عمر اليتم , ولكن .. هل لليتم عمر

والدي ( رحمه الله ) الذي توفي قبل عدة سنوات , كانت المشاعر ساخنة وحرّة ولم أسطع أن أهمس ولو بكلمة واحدة حتى لا أنفجر شوقا وحزنا , لا أحب الحديث عادة مع الناس عمّا يتأجج في داخلي أو لعلّي أجد حاجزا في التعبير عمّا أحمله , لكن حبي لوالدي ( رحمه الله ) اقوى من كل الحواجز وها انا اكتب عن اشتياقي لأبي الحبيب الذي افاخر به الدنيا

كتبت هذه الكلمات , لأني بشر ولأني كتلة من المشاعر , جرحت .. لأن الدنيا غرورة لا يدوم فيها سعادة , ولكن لماذا أشعر في بعض الاحيان أن الحزن دائم , ما أجمل الحياة عندما يكون الاب منارة البيت وواسطه , ما أجمل البسمة عندما يرسمها أبي على شفاه اخوتي ! , الاب نعمة من الله عظيمة ولكن الكثير منا لا يعرف قيمتها حتى نفقدها , فاقول قول المجروح المعاني لا قول المتخايل الحالم , فاسمع يا رعاك الله وتأمل .. وارجع الى أبيك وقبّل يديه وضمّه وادع الله أن يحفظه ويحميه ويرعاه وحافظ عليه والزم طاعته والجزاء عظيم من رب عظيم ألا وهي الجنة .

كم تعب أبي ؟ كم سالت وجنته من ماء ساخن ليجمع لنا لقمة العيش ؟! كم حنى ليضمني ؟ وكم قبلني ودندن لي كي أنام ؟! كم ابتسم وصدره قد امتلىء عبئا من الحياة ؟

لو بقيت أتسائل الى الغد لن تنتهي الاسئلة ولن يشفى التساؤل صدري ,,

كنت سهران عنده في المشفى ونظرت اليه وهو مرتخي الاعضاء شاخص البصر , ساكن ... آآه أي سكون هذا ؟!! دققت النظر .. ارتفع الادرينالين حتى شعرت به على لساني .. ارتجف قلبي وارتجفت عيناي , ورموشي رفاتها سريعة سريعة , يداي البرد يجففهما ويدخل البرد في كل أعضائها حتى شعرت كأن الصدر قطعة من الثلج , الأنفاس حرّة حرّة لها شهقة وزفرة ,

أبي ... أبي ... أبي .. هل تسمعني ؟! هل تشعر بوجودي ؟! ما أصعبها والله أن ترى أباك وهو لا يراك

انه امتحان عظيم وموقف ثقيل , يهد الجبال هدّا ويزلزل الأرض رهبا وخوفا , لن أتكلم معه بعد اليوم ! ولن يسمعني وان تكلمت !! قد انقطعت الانفاس حتى غسلوه وكفنوه , وكل دقيقة كانت كألف سنة مما تعدون , كم الزمن ثقيل آنذاك , والعيون تترقب , حتى خرج الحبيب على ظهر لوح خشبي لا يعرف من يحمل ! أنه أبي أيها النعش ألا تدري جأنه غال على قلبي ؟! فارفق به أيها النعش ولا تزعجه فهو ساكن هادئ ..

شيعنا أبي ورجلاي ثقيلتان جدا , وصلنا الى القبر هو داره الان , أنزلوه برفق وودعوه وأنا أنظر اليه نظر المذهول الخائف المترقب , وأخذوا يتظرون الي وكأنهم يقولون : ألا تودع أباك ؟!! آه ثم آه انه أبي .. كيف أودعه ؟ وهل سيعود ؟!! حان الوقت لكي ينزل داره .. تقدمت اليه وكأنّ كل شيء من حولي توقف ولا أرى سوى والدي الممدد على لوح خشبي , قبلته وكانت وجنته باردة .. انحنيت عليه أذرف دموعي وكأن ليس في الكون الا أنا وهو , وعشت لحظات ثقيلة ودعت فيها الغالي من دون أن يودعني , انقطعت أنفاسي وبردت أطرافي وكأني أنا الميت لا جهو , واذا بأيدي تهدهد على ظهري .. لله ما أعطى ولله ما أخذ وكل شيء عنده بمقدار .

رجعت بلا أب , وصارت روحي معلقة بين السماء والارض , فأبي مات وأنا راجع الى البيت .. أنظر في كل زاوية من البيت .. فهناك قعد وهناك كان يحدث اخوتي , وفي تلك الناحية اجتمعنا للطعام رحم الله ابي
حدثني .. أطعمني .. أضحكني .. أعطاني ......


مدار الساعة ـ نشر في 2017/10/18 الساعة 17:46