الحمد لله الذي خلق السماء , الحمد لله الذي جعل فيها الضيا , الحمد لله الذي خلق الانجما وجعل فيها عبرة وعظا , والصلاة والسلام على حبيبنا محمد ابن عبد الله وعلى اله وصحبه اجمعين ..
لست يتيما بميزان قوانين اليتم المعروفة , الا أني أعاني مشاعر اليتيم التي لا تحتاج الى كثير من الموازين لتعرف ثقلها على النفس , لست يتيما لأني تجاوزت عمر اليتم , ولكن .. هل لليتم عمر
والدي ( رحمه الله ) الذي توفي قبل عدة سنوات , كانت المشاعر ساخنة وحرّة ولم أسطع أن أهمس ولو بكلمة واحدة حتى لا أنفجر شوقا وحزنا , لا أحب الحديث عادة مع الناس عمّا يتأجج في داخلي أو لعلّي أجد حاجزا في التعبير عمّا أحمله , لكن حبي لوالدي ( رحمه الله ) اقوى من كل الحواجز وها انا اكتب عن اشتياقي لأبي الحبيب الذي افاخر به الدنيا
كتبت هذه الكلمات , لأني بشر ولأني كتلة من المشاعر , جرحت .. لأن الدنيا غرورة لا يدوم فيها سعادة , ولكن لماذا أشعر في بعض الاحيان أن الحزن دائم , ما أجمل الحياة عندما يكون الاب منارة البيت وواسطه , ما أجمل البسمة عندما يرسمها أبي على شفاه اخوتي ! , الاب نعمة من الله عظيمة ولكن الكثير منا لا يعرف قيمتها حتى نفقدها , فاقول قول المجروح المعاني لا قول المتخايل الحالم , فاسمع يا رعاك الله وتأمل .. وارجع الى أبيك وقبّل يديه وضمّه وادع الله أن يحفظه ويحميه ويرعاه وحافظ عليه والزم طاعته والجزاء عظيم من رب عظيم ألا وهي الجنة .
كم تعب أبي ؟ كم سالت وجنته من ماء ساخن ليجمع لنا لقمة العيش ؟! كم حنى ليضمني ؟ وكم قبلني ودندن لي كي أنام ؟! كم ابتسم وصدره قد امتلىء عبئا من الحياة ؟
لو بقيت أتسائل الى الغد لن تنتهي الاسئلة ولن يشفى التساؤل صدري ,,
كنت سهران عنده في المشفى ونظرت اليه وهو مرتخي الاعضاء شاخص البصر , ساكن ... آآه أي سكون هذا ؟!! دققت النظر .. ارتفع الادرينالين حتى شعرت به على لساني .. ارتجف قلبي وارتجفت عيناي , ورموشي رفاتها سريعة سريعة , يداي البرد يجففهما ويدخل البرد في كل أعضائها حتى شعرت كأن الصدر قطعة من الثلج , الأنفاس حرّة حرّة لها شهقة وزفرة ,
أبي ... أبي ... أبي .. هل تسمعني ؟! هل تشعر بوجودي ؟! ما أصعبها والله أن ترى أباك وهو لا يراك
انه امتحان عظيم وموقف ثقيل , يهد الجبال هدّا ويزلزل الأرض رهبا وخوفا , لن أتكلم معه بعد اليوم ! ولن يسمعني وان تكلمت !! قد انقطعت الانفاس حتى غسلوه وكفنوه , وكل دقيقة كانت كألف سنة مما تعدون , كم الزمن ثقيل آنذاك , والعيون تترقب , حتى خرج الحبيب على ظهر لوح خشبي لا يعرف من يحمل ! أنه أبي أيها النعش ألا تدري جأنه غال على قلبي ؟! فارفق به أيها النعش ولا تزعجه فهو ساكن هادئ ..
شيعنا أبي ورجلاي ثقيلتان جدا , وصلنا الى القبر هو داره الان , أنزلوه برفق وودعوه وأنا أنظر اليه نظر المذهول الخائف المترقب , وأخذوا يتظرون الي وكأنهم يقولون : ألا تودع أباك ؟!! آه ثم آه انه أبي .. كيف أودعه ؟ وهل سيعود ؟!! حان الوقت لكي ينزل داره .. تقدمت اليه وكأنّ كل شيء من حولي توقف ولا أرى سوى والدي الممدد على لوح خشبي , قبلته وكانت وجنته باردة .. انحنيت عليه أذرف دموعي وكأن ليس في الكون الا أنا وهو , وعشت لحظات ثقيلة ودعت فيها الغالي من دون أن يودعني , انقطعت أنفاسي وبردت أطرافي وكأني أنا الميت لا جهو , واذا بأيدي تهدهد على ظهري .. لله ما أعطى ولله ما أخذ وكل شيء عنده بمقدار .