مدار الساعة - ما زال قلب الشاعر محمود فضيل التل يلهج وينبض بالحب، ذاك الذي نثره عبر اثنتي عشر مجموعة شعرية بدأها سنة 1982، لكنه في المجموعة الأخيرة رفع سقف حبه حتى السماء، مؤكداً على مبدئ فلسفي في الحياة قائم على الحب: حب الله، حب الوطن بحالاته المتعددة، حب الإنسان، حب الطبيعة...
المجموعة الأخيرة الصادرة عن الآن ناشرون وموزعون في عمّان بدعم من وزارة الثقافة الأردنية، حملت عنوان" للحب سماء عالية، وجاءت في (270) صفحة، وضمت (48) نصا شعريا، واصل عبرها الشاعر موضوعاته، وأسلوبه الخاص، مضيفا تجربة جديدة أتت بها سني العمر، والحياة.
تعددت الموضوعات التي طرحها محمود التل في ديوانه، فقد تناول في قصائده الهم الوطني "يا نهر الأردن، ثرى الأردن، فتى حوران، حنين الضياء"، والقـومي "خيّـم الليـل، ذهبت بعيداً"، والإنسـاني "يا هذا الإنسان"، كما تناول القضايا الوجدانية "غدير، أودع فيك حبا ليس ينسى، ذرى الحبيبة"، والفلسفية: "انطواء، هذي حياة، مرايا العصر"، والسياسية "أنت كل الأسئلة" وغيرها من الموضوعات التي يزخر بها الديوان.
يقول التل حول الموضوعات التي طرقها: «من خلال الالتزام بالإنسان والحياة والوطن أجد نفسي أحيا شعرياً ضمن هذا الإطار، فالهم الإنساني والوطني وفلسفتي الحياتية هي التي تشكل المضمون الأساسي لإصداراتي الشعرية، وذلك من خلال قصائد أو أشعار وجدانية اجتماعية وطنية فلسفية، يمكن للإنسان أو الباحث أن يتبينها إذا ما قرأ هذه الأشعار قراءة متأملة فاحصة، بشكل مركّز دقيق، وبخاصة أن موقفي من الحياة في ضوء انعكاساتها عليّ يتخذ منطلقاً أساسياً في معظم الشعر الذي كتبته.
ويشكل الوطن المحور الأساس الذي قام عليه شعر محمود التل، والهاجس الذي لازمه طيلة حياته، فبعد أن يرفض كل حب زائل يعلن تعلقه بثرى الوطن بشكل صريح ومباشر. يقول في قصيدة "يا نهر الأردن":
يا نهر إذا ما جئتُ إليكْ
ألقاكَ بعيني ظمآناً
والماء الجاري مسروق من أيدينا
من بين يديكْ
خذ ماء العينِ
وماء القلبِ
وما تهوى يا نهر إليكْ
سُمّيتُ باسمكَ
وباسمكَ من شوقٍ ناديتْ
فتقبّلني يا نهر إذا ما جئتُ إليكْ
من مائك يا نهر الأردن شَـرِبنا
وسقينا ما زَرَعتْ أيدينا مما أعطيتْ
ويظل الهم العام هو ما يشغل الشاعر المنتي لوطنه وأمته. يقول في قصيدة" خيم الليل":
ها هو العمر بدا ثم انتهى
وأنا أحيا بقلبٍ مُثْقَل
والأماني ضاع في آجالها
كلُّ شـيءٍ في الزمان الأجمل
فالمنى تختالُ في أوهامنا
ونُواريها بعذرٍ مُخْجِلِ
هكذا كنا بقايا أمةٍ
وبها قلنا كقولِ القائلِ
مَنْ يَهُنْ في العمر يوماً واحداً
ضاع في أوهامِ عمرٍ أرذلِ
لن يرى فيها دروباً حلوةً
إنْ بهذا اليومِ أو في المُقبلِ
يقول عنه الناقد الدكتور عماد الضمور:" لم يُعرف عن التل أنه قال شعراً في أغراض التكسب أو التزلف أو الهجاء، مما جعل شعره صورة صادقه عن واقع أمره، ودخيلة نفسه، فجاء يحمل أمانيه وتطلعاته نحو غد مشرق بشمس الحرية والأمن"
أما الباحث والناقد الدكتور زياد أبو لبن فيقول عنه:" إن محمود فضيل التل الشاعر له تجربة عميقة وواعية وتحمل رؤيا جديدة للعالم، وهذه التجربة أخلصت لعمود الشعر العربي من جانب، ومن جانب أخر خاضت تجربة قصيدة التفعلية، هذا من ناحية البناء أو المعمار الشعري، أما من ناحية المضمون فوقع في منطقة وسطى ما بين القديم والحديث، فشعره امتداد للقصيدة العربية عبر مراحلها التاريخية، كذلك معاصر في ابتكاره للصور الفنية"
يذكر أن الشاعر محمود فضيل التل من مواليد مدينة إربد سنة 1940، حاصل على شهادة الليسانس في علم اجتماع من الجامعة الأردنية سنة 1966، عمل في الإذاعة الأردنية، وفي وزارة العمل، و وزارة الثقافة وشغل فيها منصب مدير المركز الثقافي الملكي، وأمين عام الوزارة، وهو عضو رابطة الكتّاب الأردنيين، واتحاد الكتاب العرب. تُرجمت بعض أشعاره إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والإيطالية.
أما إصداراته الشعرية فهي: أغنيات الصمت والاغتراب، 1982، نداء الغد الآتي، 1985، شراع الليل والطوفان، 1988، وجدتُكِ عالماً آخر، 1988، جدار الانتظار، 1993، هامش الطريق، 1995، آخر الكلمات 1988، صحو الطوفان، 2002، أنشودة المستحيل، 2004، مختارات شعرية، 2006، تحت جنح الليل، 2011، شاطئ من نار، 2015.