كل صيحات الانتصار التي يطلقها الروس في سوريا لا تخفي حقيقة المأزق الذي يعانونه هناك، وسط حرصهم الشديد على التوصل إلى حل قبل كأس العالم في 2018، وللخروج من هواجس التورط الطويل أيضا.
ما يُعلنون عنه من خسائر ليس حقيقيا، إذ هناك ما يتم إخفاؤه بكل تأكيد، ونحن هنا لا نتحدث عن دولة ديمقراطية ينكشف فيها كل شيء، بل عن دولة بديكور ديمقراطي يتحكم بها ضابط دكتاتور؛ لا يطارد خصومه ويسحقهم في الداخل وحسب، بل يقتلهم في المنافي أيضا من دون أن يرفّ له جفن.
حين تكتب وكالة روسية هي أقرب إلى الوكالة الأمنية (سبوتنيك) عن زيارة العاهل السعودية لموسكو باعتبارها مبشرة بنهاية الحرب في سوريا، فهذا يعكس حجم المأزق الذي تعيشه موسكو في سوريا رغم تفوقها من الناحية العملية.
ليس العجز عن تحقيق حسم عسكري هو وحده المأزق الذي يعيشه الروس في سوريا، وإن بدا أنه يكفي وحده لكشف الأزمة، فهناك قبل ذلك وبعده التناقضات الكامنة مع إيران وأدواتها من جهة، ومع الكيان الصهيوني من جهة أخرى.
ليس بوسع روسيا أن تقبل بأحلام إيران في سوريا، فالزمن لن يعود إلى الوراء، ولن تستعيد طهران سيطرتها المطلقة على سوريا التي كانت تتمتع بها قبل الثورة، وهي (أي إيران) حين استدعت الروس، كانت تدرك ذلك، لكن “الولي الفقيه” في طهران لا يقبل أيضا بأن يوقف الروس مشروع تمدده في المنطقة، والذي تمثل سوريا ركنه الأهم. وهنا ينشأ التناقض الكبير بين الطرفين، والذي يعززه بطبيعة الحال الحضور الصهيوني الرافض للهيمنة الإيرانية، وحيث لا يرغب بوتين في الدخول في مشكلة أخرى مع الكيان الصهيوني، هو الذي يدرك قدراته على إثارة الكثير من المتاعب له في الأروقة الدولية، وبخاصة عبر نفوذه في الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية.
الجانب الآخر في المأزق هو شعور بوتين بأن الولايات المتحدة تلاعبه في سوريا، وهي معنية بإطالة نزيفه وورطته، لا سيما أن واشنطن ليس لديها ما تخسره هناك، بل إنها وجدت في الأزمة ما يعزز نفوذها في مكان لم يكن لها فيه أي نفوذ من قبل، وهذا ما سيدفعه إلى إيجاد تفاهمات مع الدول التي يعتقد أن بوسعها أن تساعده في سوريا، وبخاصة تركيا والسعودية وقطر، لكن مساعدة من هذا النوع لن تكون بلا ثمن، والثمن الأهم هو تقليم أظافر إيران في سوريا، وهنا يتعزز التناقض مع المحور الإيراني.