هناك أنباء يجري تداولها بشأن اتفاق أمريكي إسرائيلي مع بعض العرب على عقد مؤتمر جديد للسلام (المسمى ليس مهما)، وذلك تمهيدا لإطلاق عملية سياسية تسبقها أو تواكبها عمليات تطبيع عربية مع الكيان، بعد أن وصل الحال ببعض العرب حد إدانة “المقاطعة” العربية له، في انقلاب غير مسبوق على ما تم التعارف عليه في الفضاء العربي طوال الوقت.
في حوار قبل ذهابه إلى نيويورك، قال محمود عباس إنه يرفض التطبيع العربي مع الكيان. وإذا ما تجاوزنا حقيقة أن بعض العرب يستخدمون علاقات السلطة مع الصهاينة، وتعاونها الأمني معهم في تبرير التطبيع عبر القول “لن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين”، فإن هذا الموقف من رئيس السلطة يمكن البناء عليه في زمن بائس كالذي نعيش، والذي أصبحت فيه غاية المنى هي أن لا يتآمر بعض العرب على قضية فلسطين بدل أن يدعموها.
يمكن البناء عليه، بخاصة بعد موسم المصالحة مع حماس، وإمكانية عودة حكومة التوافق إلى قطاع غزة، إذ بدل أن تكون تلك المصالحة كما يُراد لها محطة باتجاه تمرير “الحل الإقليمي”، الذي يكرّس الوضع الراهن مع فتح آفاق التطبيع العربي، بما يحوّل المؤقت إلى دائم بمرور الوقت، ما يعني تصفية القضية.. بدل ذلك يمكن أن تكون المصالحة محطة لتوافق بين حماس وفتح وسائر القوى على رفض ذلك الحل، ورفض أي مؤتمر جديد مع الصهاينة.
من يطالبون الفلسطينيين بالتعايش مع الإسرائيليين، ومن يتبنون فكرة المؤتمر أو اللقاء، وتبعا له الحل الإقليمي، ومن يمارسون التطبيع سرا وعلنا، أو يدعون له، كلهم يعرفون تماما سقف نتنياهو، وهم طالما عرضوا عليه قبول المبادرة العربية مقابل تطبيع واسع مع العالم العربي دون جدوى.
نعم كلهم يعرفون سقف نتنياهو، ورفضه للمبادرة العربية، بل رفضه لعروض أكثر سخاءً منها قدمتها قيادة السلطة أيضا، لكنهم يريدون تجاهل ذلك كله من أجل فتح الباب لحل تصفوي، وكل ذلك من أجل إرضاء أمريكا التي يعتقدون أن تل أبيب هي مفتاح قلبها وعقلها.
بعضهم يفعلون ذلك من أجل الشرعية، وبعضهم من أجل الدعم، وبعضهم خوفا، وبعضهم من أجل مواجهة إيران، لكن النتيجة تبقى واحدة، وهي العمل على تصفية القضية، أو وضعها على سكة التصفية، ويتجاهلون أن أمريكا لم تعد سيد الكون المطاع، وأنها لن تساعدهم في مواجهة إيران (أعني المعنيين بالمواجهة من بينهم، لأن هناك من لا يرون ذلك أولوية أصلا)، وقد يشتركون جميعا في شراء استمرار تغييب صوت واشنطن في كل متعلقات الديمقراطية وحقوق الإنسان، التي قد يتم إخراجها من الأدراج لاحقا بعد أن اختفت في زمن ترامب، وآخر حقبة أوباما.
الخلاصة أن على القوى الفلسطينية أن تجتمع جميعا على رفض الحل الإقليمي، وكل مقدماته، ويساعدها في ذلك بعض العرب الذين يمكن أن يقولوا (لا)، أو يرفضوا التطبيع ولو بالصمت، وهم حين يرفعون أصواتهم بالرفض سيحرجون الداعين لذلك أمام شعوبهم، مع أن بعضهم لم يعد معنيا بنبض الشعوب.
الدستور